السبت 23 نوفمبر 2024

رواية دعاء عبده الجزء الثاني

انت في الصفحة 12 من 20 صفحات

موقع أيام نيوز

لصمت الناس ألحاني
و لو أنساك يا عمري حنايا القلب تنساني
و لو خيرت في وطن لقلت هواك أوطاني
إذا ما ضعت في درب ففي عينيك عنواني
أخذت تنصت إليه وهى تشعر أن المكان غير المكان والزمان غير الزمان وكأن الغرفة الصغيرة تحولت لسحابة هادئة تمضى بهما فى رحلة غير مماثلة إلى واحة هانئة ينفث الحب فيها عطره الفواح 
طرق عمرو باب حجرة المكتب الخاص بإلهام ودلف إليها مبتسما أبتسامة روتينية بعد أن ألقى التحية أشارت له إلهام بالجلوس وهى تتأمله متفحصة وارتسمت على شفتيها الأبتسامة المعتادة التى تغزوها كلما رأته ثم قالت بنعومة
أيه يا بشمهندس يعنى محدش بيشوفك
لم يستطع أن يغالب المزاح بداخله فوجد نفسه قائلا
وفيها ايه لما يشوفنى يعنى
قطب جبينها وقالت بعدم فهم
هو مين ده !!
رفع حاجبيه وهو يقول
محدش
أبتسمت وهى تضيق عينيها قليلا ناظرة إليه وقالت
ايه ده وكمان دمك خفيف 
وخضعت بنبرة صوتها وهى تردف
مش كفاية ذكى ووسيم وجذاب كمان دمك خفيف لاء كده مش هاستحمل
أبتلع عمرو ريقه وهو حانقا على نفسه وعلى دعابته هل أصبحت الدعابة تسرى فى دمه لهذه الدرجة فلا يستطيع وضع احاديثه فى نصابها الصحيح ومع الشخص الصحيح رآها تنهض من مجلسها وتقف خلفه وقالت 
عمرو أنا عاوزه اتكلم معاك شوية بره الشغل أنت بيبقى وراك حاجة بالليل
قالت كلمتها الأخيرة هذه وهى تلامس خصلات شعره
من
الخلف مما جعله ينتفض واقفا وبحث عن مخرج مناسب لا يتسبب فى أنهاء حياته العملية من الشركة ولكنها لم تنتظره طويلا واعتبرت صمته تفكير فى الأمر فاقتربت أكثر لتحثه على الموافقة وتعده بما ليس له بل وليس من حقه بدنوها منه إلى هذه الدرجة حتى شعر بانفاسها من خلف أذنيه واشتم رائحة عطرها النفاذ تزكم أنفه رغما عنه لتوقظ بعض مشاعره الدفينة وشعر بدفء جسدها بملامسة ظهره وسمعها تقول بهمس كالفحيح
أيه رأيك نتعشى سوا الليلة
وفجأة فتح الباب ودلف صلاح فى عجلة
من أمره ولكنه توقف أمام ذلك المشهد عمرو واقفا فى توتروإلهام تقف خلفه مقتربة منه بشدة وقف جامدا ينظر إليهما ولكنها كانت فرصة سانحة وجدها عمرو للهروب بدون عواقب كما كان يفكر قبل دخول صلاح عليهما تنحنح وهو يتحرك فى اتجاه صلاح ووقف بجواره قائلا
طب استأذن انا علشان عندى شغل كتير
بمجرد أن خرج عمرو حتى قامت عاصفة إلهام الرعدية وظلت ترعد وتؤنب صلاح على دخوله بغير أذن وبغير ميعاد وضع صلاح الملف الذى كان يحتاج إلى توقيعها أمامها على المكتب وانصرف على الفور وتركها وسط حممها المتصاعدة وعاد لعمله 
فوجئ بوجود عمرو فى مكتبه ينتظره ألقى عليه نظرة عتاب كبيرة وهو يجلس خلف مكتبه ويتابع عمله بصمت وقف عمرو مدافعاعن نفسه وقال
متبصليش كده أنا والله ما عملت حاجة
رفع صلاح عينيه إليه قائلا
معملتش اه لكن سكت و اللى يسكت على الغلط يبقى مشارك فيه ومينفعش بعد كده انه يلوم اللى هيطمع فيه بعد كده نتيجة سكوته وزى ما بيقولوا السكوت علامة الرضا
قال عمرو بانفعال وهو يجلس 
أنا مكنتش ساكت أنا كنت بدور على طريقة مناسبة أهرب بيها من الموقف
الحكاية مش محتاجه تفكير يا عمرو أنت پتخاف على شغلك ومستقبلك أكتر ما پتخاف على أى حاجة تانية وأنا حذرتك كتير ونبهتك كتير بس أنت شكلك مش هتتعلم ببلاش اللى بيسيب الباب موارب يابنى مايزعلش لما يدخله منه شړ بعد كده
خرج عمرو من مكتب صلاح يضيق بنفسه ذرعا ولا يعلم لماذا يتهاون إلى هذا الحد هل كما قال صلاح فعلا هو ېخاف على مستقبله وعمله أكثر من خوفه من أى شىء آخر نفض الفكرة عن رأسه مستنكرا لها ولكنه لم يستطع أن ينفض تلك المشاعر التى عاشها والتى أستقيظت بداخله منذ لحظات فى مكتب إلهام فمازال يشتم عطرها النفاذ ومازال يشعر بلمستها لم يستطع أن يغالب هذا الشعور الذى يجتاحه فخرج فورا من الشركة عائدا لمنزله تصارعه مشاعر شتى وبدلا من أن يدخل منزله وجد نفسه يتوجه إلى بيت خطيبته قاصدا أياها سيلهى بعض من مشاعره بطلب تحديد موعد لعقد القران ولتذهب الخطبة إلى الچحيم 
وبعد موافقتها تم تحديد موعد عقد قران عزة وعمرو بعد أيام ليصبح فارس هو آخر من يتم عقد قرانه بينهما وفى هذه الفترة كان عمرو يتهرب من أى لقاء يجمعه بإلهام وكان صلاح يساعده على ذلك ويتصدر هو لأى عمل يتطلب وجود عمرو معها فى مكان واحد وجاء اليوم المنتظر وكان بسيطا كالذى سبقه تماما يجتمع فيه الأهل والأحبة والجيران فى منزل العروس ليتم عقد القران بينهم وبحضور الشاهدين فارس وبلال ويالها من مفارقة كانت فى يوم من الأيام تتمناه زوجا وها هو اليوم يشهد على عقد قرانها ويزيل عقدها بتوقيعه المميز 
أجتمعت بعض النساء فى الداخل ينشدون لعزة الأناشيد بقيادة عبير التى كانت قد تحسنت كثيرا بفضل تمارين بلال المكثفة ! كما كان يقول ويبدو أن ضميره هذا قد انعكس على حالتها النفسية كثيرا فلقد كانت تبدو كما لو كانت هى العروس وكأنها فى العشرين من ربيعها وهى تغرد بأناشيدها المحببة وټضرب بالدف فى سعادة وقوة وتتنقل بين النساء كالفراشة التى تتنقل بين الزهور فى بستان المودة والرحمة التى نهلت منه منذ أن أصبحت زوجة ل بلال وحبيبة لقلبه الفياض وأثناء انشغالها سمعت أمها تهمس فى أذنها أن زوجها يريدها فى الخارج ربما قد يكون الأمر عاديا لولا أن والدتها أنبئتها أنه يبدو عليه الإنزعاج وربما الڠضب أرتدت ملابسها كاملة وخرجت تبحث عنه فاشارت لها والدتها أنه ينتظرها فى المطبخ ! دخلت بسرعة إلى مطبخها فوجدته فعلا قد بدا عليه الضيق الشديد فرفعت نقابها ونظرت إليه بقلق وقالت متسألة
مالك يا حبيبى
نظر إليها بضيق وقطب جبينه وقال منفعلا
مش عارفة فى أيه أنت فاكرة نفسك بتنشدى فى الصحرا لوحدك صوتك واصل
بره عندنا يا هانم
أصفر وجهها وشحب واتسعت عيناها وهى تضع يديها على وجهها ثم قالت بأحراج
والله ما كنت واخده بإلى 
ثم نظرت له معتذرة وقالت 
أنا آسفه يا حبيبى بالله عليك متزعلش مني
هدأ قليلا وهو عاقدا ذراعيه خلف ظهره وقال معاتبا
أبقى خدى بالك بعد كده 
ثم مد يده ومسح وجنتها بظهر أنامله وقال بحب
ما انت
عارفه
انا بغير عليكى ازاى يا حبيبتى صوتك محبش راجل غيرى يسمعه
عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت مداعبة له
ده انت أرهابى بقى
أمسك وجهها بين كفيه واحتواها بعينيه ثم قال
لو ده الأرهاب فأنا أرهابى أصيل 
ثم قبل جبهتها وقال مردفا
ولابس حزام ناسف كمان
أبتسمت فى سكون وهى تمسك بيديه التى تحيط بوجهها فقال 
أخبار رجلك ايه
نظرت له بدهشة وقالت
كويسة الحمد لله بتسأل ليه
مط شفتيه وقال
انا بقول نعمل الفرح والډخلة بقى علشان نكمل التمارين فى بيتنا براحتنا الواحد يا شيخة مش حاسس انه بيشتغل بضمير فى العلاج
أزاحت يديه ووضعت يديها حول خصرها قائلة
كل ده وضميرك لسه مستريحش
أبتسم وهو يرمقها بنظراته المتفحصة
كل ده أيه ده انا حاسس انى مقصر يرضيكى يعنى ضميرى يعذبنى
قالت وهى تعيد النقاب على وجهها مرة أخرى 
مقصر لاء خاليك مقصر الله يخليك
أفلتت من يده وعادت إلى النساء مرة أخرى أكثر أشراقا وجاذبية فهكذا هى الزهرة كلما لاقت حبا واهتماما وعناية كلما زادت إشراقا وتألقا وتفتحا وعبيرا تفيض على من حولها بشذاها 
أنتهى حفل عقد القران واستأذن بلال والد عبير أن يخرجا سويا وخرج معها من منزلها أصابعهما متشابكة كما كان يحلم دائما وهى تقول 
بلال أنا مكسوفة امشى فى شارعنا واحنا ماسكين أيد بعض كده
قال مشاكسا
ليه يا حبيبتى هو انت صاحبتى ده انت مراتى
دفعت عزة عمرو بعيدا عنها بهدوء وقالت بارتباك 
أيه يا عمرو ده مينفعش كده على فكرة
نظر إليها بضيق وقال متبرما
أيه يا عزة أنا جوزك دلوقتى
تلعثمت وهى تقول بخجل
يا عمرو دى أول مرة نقعد فيها مع بعض بعد كتب الكتاب أرجوك تراعى الحكاية دى
أسند مرفقيه على مائدة الطعام أمامه وقال معتذرا 
حاضر هراعى بس انت كمان راعى انى بحبك وانى شاب زى كل الشباب وطول عمرى بشوف بنات وشباب وعلاقتهم مفتوحة كأنها مراته ورغم كده عمرى ما عملت زيهم عارفه ليه 
وقبل أن تجيب قال 
علشان بحبك وعمرى ما حبيت أنى ارتبط بواحدة غيرك لا فى حلال ولا فى حرام مينفعش بقى تيجى بعد كل ده وتقوليلى مينفعش يا عمرو
كادت عزة أن تبكى وهى تشعر بضغطه عليها بكلماته واستعجاله للأمور بهذا الألحاح المتواصل ومحاولاته المستمرة ولكنها لن ترضخ له فى أى حال من الأحوال فالعقد له حدودا يجب أن لا يتخطاها أبدا
سار بلال بجوار عبير بمحاذاة كورنيش النيل متعانقة أيديهما متشابكة أصابعهما نظر لها ليرى بعض علامات الضيق والأضطراب
ظاهرة بوضوح فى عينيها فقال
مالك يا حبيبتى ايه اللى مضايقك
مش شايف المناظر يا بلال هى البنات دى مش مكسوفة وهى واقفة بالشكل ده طب مش خايفين من أهاليهم 
هز رأسه باسى وكأن حديثها آثار شجونه وقال
يعنى انت من مرة واحدة وقلتى كده واضايقتى من المناظر أومال انا أعمل ايه اللى على مدار حياتى شفت اضعاف اضعاف المناظر دى ده غير الأشكال اللى كنت بقابلها فى شغلى أيام ما كنت بشتغل فى مركز كبير بعد تخرجى وكان بيورد علينا رجالة وستات والحاجات اللى كانت بتتعرض عليا ساعتها ورغم كده الواحد كان بيستحمل وبيصبر وبيغض بصره عن الحړام
قالت عبير بحنان
وكنت بتقدر تستحمل كده ده ازاى
قال بشجن 
علشان ربنا يا عبير كنت بصبر وبصوم كتير وبخرج طاقتى فى شغلى والدعوة والرياضة والحمد لله ربنا عصمنى
ثم نظر لها وقال بحب
مش كده وبس ده كمان كافأنى ورزقنى بزوجة صالحة زيك
ابتسمت رغم الشجن الذى لمسته من كلماته وحاولت تخفيف ما استعاده من ذكريات قد تضيق بها نفسه وقالت بمرح 
بس أيه يا عم الكاجوال الخطېر ده الناس يقولوا أيه شيخ ولابس كاجوال
نظر إلى ملابسه وقال بزهو مصطنع
لا وكله كوم والتيشرت الفظيع ده كوم لوحده
ضحك كلاهما وهما يسيران عكس اتجاه الطريق ليعودا أدراجهما إلى منازلهما وتركوا خلفهما شباب متسكعة وبنات متخبطة فى شهوات الدنيا وملذات الحياة متسلقين زورقا للحب يتخبط بهم فى بحار عالية الأمواج بعيدة القاع ذات اليمين وذات الشمال فهل يأمل لهم النجاة وقد بعد المرسى 
أستطاعت دنيا أن تتكيف على عالمها الجديد فلا تدخل ولا تخرج إلا بصحبة والدتهاالتى أشرفت بنفسها على شراء ملابسها الجديدة فاختارت لها كل ماهو محتشم تغيرت طريقة ملابس دنيا بالكامل مما جعل فارس يشعر أنهما على بداية الطريق الصحيح وأنها من الممكن أن تتغير فعلا وأنه أحسن الأختيار ولكنه لم يكن يعرف أنها كانت تجاريهم فقط لتمر الأزمة على خير حتى أنهى
11  12  13 

انت في الصفحة 12 من 20 صفحات