رواية دعاء عبده الجزء الثاني
القابعة مكانها منذ ليلة أمس هز رأسه بقوة ينفض عنه
كل تلك الأفكار التى مازالت به لا تفارقه لحظة واحدة لتشعل الڼار بقلبه من جديد
عاد
إلى الحمام ليتوضا مرة أخرى ليطفأ ما نشب فى صدره من غل وكره وشعور قوى بالأنتقام وما تبعه من وسوسة الشيطان بأن يثار لشرفه وېقتلها لتهدأ رجولته قليلا لما فعلته به توضا وعاد وقطرات المياة تتساقط من يديه وخصلات شعره التى تناثرت على جبينه
أنتهى من صلاته وتناول مصحف من مصاحف التفسير المرصوصة جنبا إلى جنب على أحد الأرفف وقبع بالمسجد يقرأ لعله يجد المرشد له فيما وقع فيه وهو يشعر أن سنوات عمره مضت هباءا منثورا مع تلك المرأة التى أحبها وخانته ولكن مع الاسف ليس لديه دليلا على خيانتها ېخاف أن تكون تعرضت فعلا للأغتصاب فيكون بذلك قد ظلمها وحاكمها بما ليس لها فيه شىء ووسط مشاعره المتلاطمة وقعت عيناه على الآية الكريمة فى سورة النور
ويرشده إلى الطريق
أغمض فارس عينيه بقوة يحاول السيطرة على مشاعره المكلومة وقلبه المذبوح حاول أن يرتقى بنفسه وبصبره إلى اقصى درجة وتذكر وقتها أيام خطبته بدنيا وتذكر أنه علم الحلال والحرام ورغم ذلك استمرا في الحړام سنة كاملة وظل يغضب ربه من أجلها فجعلها الله عزوجل هى من تشق قلبه وتذبحه فكانت هذه النهاية الحتمية
خرج من المسجد وقد حسم أمره تماما واتضحت الرؤية أمام عينيه واتخذ قرارا نهائيا بشأنها عبر الطريق ووقف ينظر لمياه البحر الهادئة فى شرود شرد ذهنه بعيدا تماما عن دنيا فوجد نفسه كالمسحور يخرج هاتفه ويتصل بوالدته التى تعجبت واصابتها الدهشة عندما سمعت صوته فى الطرف الآخر وهو يسألها عن أحوالها وصحتها وهى تجيبه باختصار متعجبة إلى أن قال بتردد
أتسعت عيناها بعض الشىء وهى تقول بدهشة كبيرة
مهرة ! أنت سايب عروستك علشان تسأل على مهرة !
أرتبك أكثر وقال بتلعثم
وفيها أيه يا ماما أنا أمبارح سايبها وهى تعبانة أيه المشكلة انى أطمن عليها دلوقتى
ضيقت عينيها قليلا وهى تقول بأرتياب
هى مراتك فين يا فارس
شعر بغصة فى حلقة ومرارة على لسانه وهو يقول بصوت مخڼوق
ثم أردف بتصميم
مقولتليش يا ماما مهرة عاملة أيه دلوقتى
تنهدت فى عدم أرتياح ثم قالت
كويسة يابنى لسه نازلة من عندها من شوية وكانت كويسة
شعر أنه لن يأخذ منها أكثر من هذا وأنها مرتابة من سؤاله عنها من البداية فقرر أن يكتفى بما حصل عليه من معلومات أنهى المكالمة مع والدته ولكن قلبه لم يكن مطمئنا أبدا هناك شىء يخبره أنها ليست على ما يرام بحث فى هاتفه على رقم بلال وأتصل به لم يكن بلال أقل دهشة من والدته فى اتصال فارس به وسؤاله عن مهرة ولكنه أجاب
أبتلع فارس ريقة من المفاجأة وقال بلهفة
ليه هى تعبت تانى
رفع بلال حاجبيه وهو يقول
لا أبدا فى دكتور صاحبى جبته يشوفها والدتها اتصلت بينا وقالت مبتكلمش ومبتردش على حد ومبتاكلش وبتعيط على طول طبعا انت عارف ان ده مش تخصصى
خفق قلب فارس بقوة وهو يجلس على أحد الصخور وقال
الدكتور قال أيه
بلال
لسه خارج اهو اقفل وانا هبقى أكلمك
هتف فارس على الفور
لالا متقفلش خالينى على الخط وقولى قالك ايه
نظر بلال إلى الهاتف بدهشة ثم أنزله للأسفل قليلا وهو يتحدث للطبيب الذى قال
حالة من حالات الاكتئاب البسيط وان شاء الله هتعدى مع الوقت بسرعة
ثم نظر الطبيب إلى الجميع وهو يقول
هو فى حد زعلها
قالت أم يحيى سريعا
هى بقالها كام يوم كده مش عارفة مالها أكلها قليل ومبتنامش كويس ومش مركزة
قال الطبيب متفهما
عموما فى سنها ده الحالة النفسية بتبقى متقلبة متقلقوش مع الوقت هتتحسن وترجع لطبيعتها انتوا بس متضغطوش عليها فحاجة
وضع بلال الهاتف على أذنه مرة أخرى ليبلغ فارس بما قاله الطبيب أرهف فارس سمعه لكلام بلال ولكن أم يحيى قطعت عليه كلامه وهى تقول ل بلال بحرج
ممكن بعد أذنك أكلمه اباركله
تفاجأ فارس بكلام أم يحيى ولكنه وجدها فرصة مناسبة تماما فقال
ولا يهمك يا ست ام يحيى مانا كنت موجود وشايف بنفسى هو الدكتور قال ايه
قالت بحزن
بيقول اكتئاب وهيعدى ان شاء الله أنا والله ما فاهمة يعنى أيه اكتئاب أصلا يا أستاذ فارس أنا اللى يهمنى أن بنتى تقوم زى الأول بس مش عارفة اعمل ايه
قال فارس بإشفاق
أكتئاب !!
ثم قال فى سرعة
لو سمحتى خلينى أكلمها
فرت دمعة من
عينيها وقالت بأسى
ياريت يابنى دى لا بتاكل ولا بتتحرك ولا بتتكلم
شعر فارس أن قلبه يعتصر فى
صدره وينقبض بقوة على حالها الذى لا يعلم له سبب فقال
طب حطى التليفون على ودنها وانا هكلمها يمكن تستجيب لكلامى
نظرت أم يحيى إلى بلال الذى كان يتحدث مع الطبيب الاخر ويحيى يقف معه يستمع لحديثهم فدخلت لغرفة مهرة وجدتها كما هى نائمة على الفراش تنظر لسقف الغرفة دون حراك أقتربت منها ووضعت الهاتف على أذنها وقالت
أهى معاك أهى
ثم نقلت الهاتف على اذن مهرة أخذ فارس نفسا عميقا وقال بهدوء
مهرة
أنتفض جسدها الصغير بمجرد أن سمعت صوته وأخذ صدرها يعلو ويهبط فى سرعة وهى لا تزال محدقة فى سقف الغرفة وهو يقول ببطء
مالك يا مهرة أيه اللى تاعبك كلمينى علشان خاطرى أتكلمى يا مهرة
بدأت الدموع تقفز من مقلتيها واحدة تلو الأخرى بغزارة ودون توقف ترسم طريقا على
خديها وما أن ينقطع بها السبل حتى تغير مسارها لتروى وسادتها التى شاركتها لياليها الموحشة من قبل كلما تكلم كلما أراد أن لا يتوقف أبدا فظل ينادى عليها مرارا وتكرارا بتصميم
انا فارس يا مهرة كلمينى قوليلى مالك أشكيلى مين اللى ضايقك
قال كلمته الأخيرة ووجد عبراته تقفز هى الأخرى على خديه وبدا صوته يشبه البكاء وهو يرجوها أن تتحدث أن تقول أى شىء خالطت دموعه دموعها ولكن عن بعد لم يراها ولم يسمع الا صوت شهقاتها التى بدأت فى الظهور أخيرا وهى تبكى ولم تراه ولم تسمع الا نداءاته المختلطة بالبكاء وكأنه يعتذرعن شىء لا يعرفه أو لا يفهمه فقط يشعر به
هبت أم يحيى واقفة وهى تمسك بالهاتف خرجت سريعا وهى تقول للطبيب بلهفة
مهرة بټعيط بصوت عالى يا دكتور صوتها طلع
هتف يحيى بسعادة
بجد يا ماما اتكلمت يعنى
قالت من بين دموعها
لاء بس بټعيط بصوت عالى
أعطت أم يحيى الهاتف إلى بلال وهى تشكره قائلة
متشكره أوى يا دكتور بلال الأستاذ فارس أول لما كلمها ابتدت ټعيط وصوتها طلع أخيرا الحمد لله
باتت ليلتها مترنحة خائڤة تخشاه تترقب خطواته تضع أذنها على الباب تستمع لصوت أنفاسه كلما اقترب من الغرفة اهتز جسدها ړعبا تظن أنه سيقتلها بالتأكيد سيقتلها لن يرضى على رجولته أن يعيش مع امرأة فعلت فعلتها أذا ماذا يفعل لماذا تأخر مصيرها إلى هذا الحد سمعت صوته يتجه للحمام ويغلقه خلفه
فتحت الباب فى بطء وهدوء ويديها ترتعش وأوصالها ترتجف خوفا مشت ببطء وحذر إلى الحمام ووضعت اذنها وتنصت بإضطراب شديد سمعت صوت المياه فعلمت أنه يغتسل أغمضت عينيها وكادت أن تزفر بقوة ولكنها وضعت يديها على فمها خشية أن يسمعها عادت تمشى وكأنها تزحف بحذر إلى غرفتها وأغلقتها مرة أخرى عليها
ظلت قابعة خلف بابها تترقب خطواته ذات اليمين وذات الشمال حتى سمعته يكبر تكبيرة الأحرام ثم بدأ فى ترتيل الفاتحة فتيقنت أنه يصلى الفجر
هنا فقط زفرت زفرة طويلة أخرجت فيها ما كان يجيش بصدرها
من خوف وقلق وړعبا فلو كان ينوى قټلها لما وقف يصلى هكذا
هوت بجسدها على الفراش وهى ټلعن اليوم الذى قابلت فيه باسم وټلعن اليوم الذى صدقت فيه كلماته وعباراته المطمئنة لها كم كانت حمقاء ساذجة كيف لمثلها أن تقع فيما وقعت فيه وبهذه السهولة
وكيف اكتشف فارس فعلتها بهذه البساطة وهى كانت تعتقد أنه غر ليس لديه خبره لقد نسجت خيوطها جيدا فكيف رأى الحقيقة بهذا الوضوح ولكن الذى جعلها غاضبة حانقة أكثر هو كيف فشلت العملية رغم تأكيدات الطبيب أنها عادت كما كانت من قبل ولن يكتشفها أحد مهما كانت خبرته فى عالم النساء وضعت يدها على خدها تتلمس صڤعات فارس الموجعة فلازالت تشعر بخدر فى وجنتيها نتيجة لصفعاته المتتالية عادت إليها رهبتها منه مرة أخرى عندما سمعت صوت باب الشرفة يفتح عنوة نظرت من فتحة الباب مكان المفتاح فوجدته قد دخل الشرفة واسترخى على مقعدها وأغمض عينيه
زفرت فى ارتياح وحنق وتأكدت من غلق الباب جيدا وعادت إلى فراشها وهى تتوعد باسم وتسبه باقذع الألفاظ وذهبت فى نوم عميق
أستيقظت فزعة من نومها على صوت صفق باب الشقة بقوة جلست فى فراشها دقائق وبعد أن تأكدت من مغادرته الشقة فتحت الباب فى هدوء واتجهت للحمام مباشرة اغتسلت وعادت لغرفتها مرة أخرى لتغلقها عليها لتسكت الشعور بالخۏف بداخلها ولكنها لم تستطع أسكات الشعور بالجوع الذى مزق معدتها
فتح الباب ودخل بدون سابق أنذار فسقطت الملعقة من يدها بمجرد أن سمعت صوت غلق الباب دخل عليها ونظر إلى الطعام أمامها ثم نظر إليها بعينين خاليتين من أى تعبير وقال ببرود
وكمان ليكى نفس تاكلى
أبتلعت ما كان فى جوفها وتجمدت مكانها كالتمثال وهى محدقة به تحاول استكشاف ما بداخله من خلال تعابير وجه وظلت قابعة مكانها تنتظر رد فعله تجاهها جلس أمامها حول المائدة وصوب بصره إليها بصرامة وقال
مش ناوية
تقولى الحقيقة
أبتلعت ريقها بصعوبة وشعرت بجفاف حلقها وشحب وجهها و قالت بصوت خاڤت مرتعش
اللى قولتهولك امبارح
هو ده الحقيقة كلها
أومأ برأسه بقوة ونظر إليها ببغض قائلا
وأنا مش مصدق حرف واحد منه لكن مع ذلك
صمت قليلا وتعلق بصرها به وخفق قلبها بقوة فقال
مع ذلك هستر عليكى ومش هفضحك لكن عمرى ما هسامحك وعمرك ما هتبقى مراتى
قفز قلبها من مكانها وهى تستمع له وقد تيقنت أنه لن يثأر منها ولن ېفضحها فعادت الډماء تضخ إلى مجرى وجهها مرة أخرى وهى تنظر له بترقب فنهض من أمامها واشار إليها قائلا
واعملى حسابك أمى مش هتعرف حاجة عن الموضوع ده
ثم نظر إليها باحتقار وهو يقول
مش عاوزها ټموت بحسرتها عليا
أستدار متوجها للخارج مرة أخرى ولكنها