رواية دعاء عبده الجزء الاخير
مهما كانت الأتعاب مغرية فقالت فى توتر
طب وانت أيه رأيك يا وائل
لاحت أبتسامة نصر على شفتيه وهو يقول
بسيطة يا أستاذة حضرتك ممكن تاخدى وتدى معاه فى القضية لو لقتيه قبلها خلاص بركه يا جامع لو
لقتيه رافض يبقى مفيش غير حل واحد
ايه هو !!
حضرتك تشتغلى القضية بنفسك
ضحكت وهى تقول
أنت بتهزر مش كده أشتغلها ازاى يعنى وأبو المتهم هيرضى يخلينى أخدها أزاى يا فالح
قال بسرعة
يا أستاذة القضية مش محتاجة شغل كتير زى ما انت فاهمة لو أعتمدنا على شغل المحاماة يبقى الواد هياخد أعدام القضية دى عاوزه شغل من نوع تانى
مش فاهمة
شوفى
يا أستاذة القضية كلها مربط الفرس فيها التحريات والشهود ولو تقرير التحريات اتسحب من الملف بصنعة لطافة والشهود غيروا أقوالهم يبقى مفيش دليل والواد هيطلع براءة
قالت بحنق
وانت فاكر بقى انى اعرف أوصل للورقة دى و حتى لو عملت كده فارس مش هيسكت ده غير أنه لو رفض القضية الراجل أصلا مش هيرضى حد مش معروف زى يشتغلها مهما قلناله
نظر وائل للجالس بجواره مبتسما بانتصار وقال لها
المشكلتين دول محدش هيقدر عليهم غير واحد بس الأستاذ باسم
أعتدلت على الفراش وكأن حية قد لدغتها وهتفت متسائلة
قال وائل مؤكدا
هو الوحيد اللى كان فى مكتبنا ليه معارف كتير فى النيابة ويقدر يخلصلنا موضوع الورقة والشهود وهو برضة اللى هيقدر يلاقى حل لمشكلة الدكتور فارس
صمتت دنيا لتفكر بالأمر كادت أن ترفض وتنهى المكالمة على الفور رافضة للعرض والأقتراح ولكن المبلغ المعروض أدار رأسها ليس بهين على الأطلاق إنه كافى أن يذيب الصخور بينها وبين باسم وينسيها ما فعله بها وما تلاقيه الآن بسببه وأن يلتقيا من أجله مرة أخرى قالت فى تردد
طب أدينى فرصة افكر
أنهى وائل المكالمة معها ووضع الهاتف فى جيبه وهو ينظر لباسم الذى كان يقف بجواره ويلقنه بعض الكلمات ربت باسم على كتف وائل وهو ينظر أمامه بتفكير قائلا
قال وائل لاهثا
متأكد يا أستاذ باسم أنها هترضى
أبتسم باسم وهو يجلس خلف مكتبه ويشبك كفيه فى بعضهما وقال بثقة
زى ما انا متأكد أنك واقف قدامى دلوقتى
ثم همهم بخفوت
وقال
دى تبيع ابوها علشان الفلوس
أنهت دنيا المكالمة وهى شاردة تماما وقد ومض فى عقلها صور متتابعة وكأنه شريط سينمائى لليوم الذى هربت من بيتها وذهبت إليه فى مكتبه وما حدث بينهما شعرت بغصة فى قلبها وهى تتذكر وحشيته معها كيف تعاود العلاقات معه من جديد بعد ما كان كيف تحدثه وبأى وجه تنظر إليه وينظر إليها ثانية دار رأسها أكثر وقد أختلط كل شى أمامها بشكل متناقض لم يخرجها منها إلا أن سمعت صوت باب الشقة وهو يغلق بهدوء فعلمت أنه حضر أغلق فارس الباب بهدوء وهو ينظر للمنزل الهادىء حوله فى سكون فهذا ما كان يحتاجه فى تلك اللحظة السكون جلس على أقرب مقعد ووضع الملف بجواره وارتمى بظهره إلى ظهر المقعد وفرك جبينه فى قوة فمازال يعانى من الصداع الشديد فى تلك اللحظة خرجت دنيا من غرفتها ونظرت إلى وجهه المتعب فاقتربت منه ومسحت على شعره وهى تقول بخفوت
أدار رأسه إليها وأومأ بنعم بدون كلام توجهت إلى غرفتها وأحضرت له قرص مسكن للألم مع كوب المياه وقالت
هروح أعملك كوباية شاى تظبطلك دماغك
وضع كوب المياه بجواره وأغمض عينيه بإسترخاء يتلمس قليلا من الراحة والسکينة محاولا ان يبتعد بذهنه عن الافكار التى أدت به إلى هذه الحاله وضعت أمامه كوب الشاى وظلت تنظر إليه وهو يرتشف منه ببطء وفى صمت حتى
أنتهى منه وحرصت على أن لا يدور بينهما حديث من اى نوع وضع الكوب ونهض واقفا متوجها لغرفته دخلت خلفه ونظر إليها مندهشا وهى تأخذ سترته من يده وتعلقها فى الخزانة فهى لم تفعل ذلك منذ زواجهما وها هى تفعله دون أن يطلب منها مساعدته ألتفتت له وقالت مبتسمة
تحب أحضرلك العشا
زادت دهشته ولكنه قال
لا مليش نفس يدوب هاخد دش واقعد اشتغل شوية
أنتظرت حتى أخذ ملابسه ودخل الحمام ثم انطلقت إلى المقعد الذى وضع عليه الملف أخذته بين أيديها وفتحته وتجولت فيه بنظرها بسرعة فتأكدت انه الملف المطلوب وتأكدت من المعلومات التى سربها إليها وائل ومن الواضح أن فارس لم يدرس القضية كاملة حتى الان تركت الملف ووضعته كما هو وأنتظرته حتى خرج من الحمام وتوجه إلى الاريكة وأستلقى عليها
وقفت بجواره وقالت بخفوت ورقة
أنت شكلك مرهق أوى يا فارس تعالى نام على السرير علشان جسمك يرتاح
وأستدركت فى حزن
ولو كان عليا يا سيدى انا مش هنام دلوقتى
هز رأسه نفيا وقال بصوت نائما
لا متشكر روحى نامى انت أنا هغفل ساعة واحدة بس وهقوم أكمل شغلى
دخلت غرفتها ولكنها لم تستطع أن تنام كانت تريد ان تخلق معه اى حوار بخصوص القضية ولكنه غير مستعد للحديث على الاطلاق واى حديث الان سوف يؤدى إلى عواقب وخيمة تقلبت فى فراشها كثرا وهى تحاول أن تجد مخرجا ما لابد أن تتودد إليه بالحكمة حتى يأمنها ويتحدث معها بما يجول فى خاطره وبدون قيود لم
تستطع النوم ابدا ظلت هكذا حتى شعرت بحركته فى الخارج فعلمت أنه استيقظ أنتظرته حتى توضأ ووقف يصلى ركعتين خفيفتين قبل أن يبدأ فى العمل بعد أن أنتهى أخذ الملف ووضعه على الطاوله وجلس امامه وكأنه أمام لغم يوشك ان ينفجر عند أول لمسة له خرجت دنيا من غرفتها وتوجهت للمطبخ مباشرة وأعدت له فنجان القهوة التى
يحبها ووضعتها أمامه بابتسامة رقيقة وهى تقول
أتفضل
نظر إليها وهو يشعر أن هذا اليوم هو يوم المفاجات فلا داعى للتعجب من شىء بعد ذلك جلست أمامه واستندت على راحتيها وظلت تتابعه وهو يقرأ ويتأمل فيقف على معلومه طويلا ثم يتجاوزها إلى غيرها يتاملها برفق وكأنه يخشى فقدانها رفع رأسه إليها فوجدها تتامله مبتسمة فقال
منمتيش ولا أيه
قالت بعذوبة
لاء نمت بس صحيت على صوتك وأنت بتقرأ القرآن وأنت بتصلى حقيقى صوتك حلو أوى فى القرآن يا فارس
كان قد عاهد نفسه على عدم الدهشة ولكنه لم يستطع رفع حاجبية ومط شفتيه بقوة ثم أعاد رأسه إلى الملف وأكمل ما كان بدا كانت هى تبحث عن كلمات مناسبة لا تستفزه بها وهى تسأله عن القضية حتى لا تشعره أنها تعلم شىء عنها تنحنحت فى خفوت ثم قالت
شكلها قضية مهمه اللى مسهراك كده
أومأ برأسه ببطء دون أن ينظر إليها وقال
فعلا قضية مهمة
قالت بنرة أنثوية ضعيفة
طب ما تشرحهالى يا فارس أنت
خبره كبيرة اوى ونفسى اتعلم منك
نظر إليها ولسان حاله يقول
أى نوع من الاعاجيب يحدث فى هذا اليوم ما هذا الهدوء والسکينة والتعاون والتواضع هذه ليست دنيا ابدا
قال باقتضاب
دى قضية متهم فيها شاب صغير پقتل واحدة بالعربية بتاعته والشهود بيقولوا انه كان قاصد وانها كانت واقفه على الرصيف اصلا وكمان التحريات بتقول انه كان يعرفها يعنى الحاډثه مش صدفه
تيقنت دنيا من كلام وائل أكثر عندما وجدت فارس يتكلم عن القضية وكأنه قد عزم رفضها قالت بحنكة
طب والمتهم أعترف ولا قال ايه
هز رأسه نفيا وهو يقول
بالعكس ده صمم انه برىء وان الشهود متلفقين والتحريات متلفقة ابوه كمان لما قابلنى قال انه ليه اعداء فى السوق وجايز يكونوا ملبسين ابنه القضية
نظرت فى عينينه تكاد أن تخترقهما وتتسلل إلى عقله لتعرف فيما يفكر وماذا سيقرر وقالت وبلا مبالاة
مش جايز فعلا كده
مط شفتيه وهو يقول
كله هيتحدد لما اروح اقابل المتهم
ثم لمعت عينيه وهو ينظر امامه قائلا
انا هقدر اعرف منه هو عمل كده فعلا ولا لاء
قالت بشك
وهو يعنى هيعترفلك
أعاد رأسه إلى الاوراق مرة اخرى وهو ينهى الحديث قائلا
سيبيها على الله
كانت عزة تحضر الطعام بسرعة وتضعه فى الاطباق وتنقلها على الطاولة ضاحكة وهى ترى عمرو يلكم الوسادة بقوة مرات متتالية فتسقط الوسادة على الارض فيأخذها ويلكمها مرات أخرى ثم ېخنقها بيديه پعنف وقد تصبب عرقا فقالت وهى تجلس حول الطاولة بجواره
نفسى أعرف بتعمل ايه
ألتفت إليها وهو يمسح العرق عن جبينه وقال وهو يلهث
بتمرن عندى ماتش ملاكمة
ضحكت مرة أخرى وقالت
أول مرة اعرف انهم بيخنقوا بعض فى الملاكمة
هز رأسه نفيا وهو يتناول الملعقة قائلا
لا ده مش علشان الملاكمة ده علشان لو واحد ضايقنى أخنقه وأخلص منه
وضعت كوب المياه أمامه وهى تقول
وهتلاعب مين بقى تايسون
نظر لها بطرف عينيه مازحا وهو يقول
بتقولى فيها أنا فعلا هلاعب بلال تايسون
نظرت إليه بدهشة وقالت
أيه ده بجد والله هى دى مسابقة ولا ايه
وضع الطعام فى فمه وقال
لا يا بنتى مسابقة أيه أصلا بلال هو اللى بيمرنى انا وفارس فى مركز الشباب اللى جانبنا
استندت بذقنها على راحة يدها وهى تقول
أنا نفسى الاقى حاجة واحدة الدكتور بلال مبيعرفش يعملها حتى الملاكمة هو اللى بيمرنكوا
ضربها على كتفها بخفة وهو يقول بحنق
ايه يا ماما مالك معجبة بيه كده ليه طب بكره هتشوفى هكسرهم هما الاتنين على حلبة المصارعة
نظرت له بدهشة وقالت
هى مصارعة ولا ملاكمة
وضع قطعة من اللحم فى فمها وهو يقول
كلى وانت ساكتة
صمتت قليلا وهى تنظر له باضطراب ثم تشجعت وقالت
عمرو أنا لازم اروح لدكتورة علشان موضوع الحمل
وضع الملعقة فى طبقة ونظر لها معاتبا وقال
احنا مش اتكلمنا فى الموضوع ده قبل كده وقلنا نسيبه على ربنا
أسندت وجنتها على راحة يدها وقالت
أحنا متفقناش أنت اللى قررت وانا اضطريت اوافق انا مش عارفه انت ليه مش مهتم
أخذ كفها من تحت وجنتها ووضعه بين راحتيه وقال بهدوء
مش عاوز حاجة تشغلك عنى وعن اهتمامك بيا لوحدى ومدام التاخير جاى من عند ربنا لوحده يبقى خلاص
حاولت أن تعترض قال
أنت مش عارفة يا حبيبتى انا محتاج اهتمامك بيا قد أيه ومش عارفة أن تفرغك ليا بيحمينى من حاجات شكلها ايه
قالت بقلق
تقصد ايه
قبل يدها وقال مبتسما
مش قصدى حاجة كل الحكاية انى عاوزك تفضيلى أنا وبس وأنا ممنعتكيش من الخلفة ووقت ما ربنا يأذن هتحملى بلاش نستعجل
دخل فارس مكتبه مساءا فوجد الرجل صاحب القضية فى انتظاره صافحه معتذرا
عن
التأخير وأشار إليه بالجلوس جلس الرجل ثم نهض مرة أخرى ووضع أمام فارس الاوراق التى طلبها ووضع فوقهم شيك بالأتعاب نظر فارس إلى المبلغ المدون أمامه ثم رفع رأسه للرجل وقال
أنا قلت لحضرتك انى مش هقبل أى حاجة إلا لما اقابل المتهم بعد كده هقرر وبعدين المبلغ ده كبير أوى
قال الرجل بسرعة وبصوت يشبه البكاء
فلوس الدنيا كلها فدى
ابنى وبعدين انا متفائل ان شاء الله لما تقابله هتتاكد أنه برىء أنا متأكد
نظر إليه فارس بإشفاق ومد يده بالشيك قائلا بحسم
معلش حضرتك خده ولو وافقت نبقى نتكلم