الإثنين 25 نوفمبر 2024

رواية دعاء الفصول من 25-31

انت في الصفحة 1 من 13 صفحات

موقع أيام نيوز

الفصل 25
من شدة البكاء ثم سجدت وهى تقول بنحيب 
يارب مالناش غيرك يارب نجيه .. ده عمره ما أذى حد يارب
طرق صلاح باب حجرة مكتب إلهام ودخل وقد بدا القلق على محياه فاعتدلت وقالت بسرعة 
ها يا صلاح وصلتوا لحاجة.. عرفتوا عمرو مبيجيش ليه 
أومأ برأسه وقد ارتسم الحزن على قسمات وجهه وقال 
أتقبض عليه من يومين ... خدوه الفجر من بيته 

هبت واقفة وقالت بفزع 
مين دول اللى خدوه وليه 
رفع كتفيه باسى وقال بحيرة 
مش عارف يا بشمهندسة بس طريقة القبض عليه دى بتقول انهم مش مباحث عادية شكلهم كده أمن دولة 
هوت إلى مقعدها وارتجف قلبها بين أضلعها واتسعت عيناها وهى تفكر وفجاة تناولت سماعة الهاتف وضغطت عدة أرقام ثم قالت بسرعة لمديرة المكتب 
وصلينى بالباشا حالا.
الفصل السادس والعشرون
عالم السجون ... إنه عالم إختلفت فيه المعايير وتغيرت المقاييس .. لم يعد السچن هو مصير المجرمين والسفاحين فقط بل أصبح السچن مصير المتدينين وأصحاب الرأى أيضا وكل حر يأبى أن يضع رأسه فى التراب ويدفنها بين حبات الرمل. 
دفع ثلاثتهم بقوة داخل العنبر وأغلق الباب الحديدى خلفهم ليصدر صريرا مزعجا أيقظ على أثره النيام داخل العنبر ...وقف ثلاثتهم ينظرون إلى بعضهم البعض وأعينهم تفيض بسؤال واحد فقط ..وماذا بعد ... وقعت أعينهم على رجل ملتحف ببطانية سوداء فى أحد الاركان على أرض العنبر فاقترب بلال منه بقلب مقبوض وكأنه يشعر لماذا هذا الجسد قد سجى هكذا وقبل أن يلمسه هتف أحد الرجال الآخرين من زملاء العنبر 
سيبوا ده مېت 
أصابتهم غصة فى حلوقهم وهم يتبادلون النظرات ..أنحنى بلال لينظر فى وجهه فوجد ما كان يعتقده ..شاب صغير فى السن له لحية صغيرة واضح عليه اثار الټعذيب بشدة أغمض بلال عينيه پألم وهو يقول 
إنا لله وإنا إليه راجعون 
غادر أربعة مسجونين سرائرهم واقتربوا منهم متسائلين 
أنتوا جايين فى ايه.. مفيش مظاهرات الأيام دى..
قال الرجل الاخر 
بس حظكوا حلو والله أنكوا جايين فى الوقت ده.. لو كنتوا جيتوا الصبح كنتوا حضرتوا حفلة الاستقبال
عقد فارس بين حاجبيه وقال 
حفلة استقبال أيه
قال الرجل 
حفلة الاستقبال دى يا سيدى بيستقبلوا بيها كل عربية ترحيلات بتوصل السچن بالكلاب البوليسية وانت وحظك .. وبعد ما تنزل وانت بتجرى من الكلاب قبل ما تتعض يستقبلوك العساكر بالعصاية الكهربا والكرابيج ساعة ساعتين لحد ما كله يقع على الارض ويستسلم للضړب .. بعدها بقى يوزعوهم على العنابر .. دى بقى حفلة الاستقبال
أومأ بلال برأسه وهو يربط على كتفهم مطمئنا ونظر لهم نظرات مطمئنة أنهم قد عبروا تلك المرحلة بأمان فمن الواضح أن صديق فارس كان يعلم هذا أيضا لذلك أمر بترحيلهم فى هذا الوقت من الليل ..شعر فارس بغصة فى قلبة وهو يرى بلاده لأول مرة بصورة حقيقية غير التى كان يراها فى الخارج .. فى خارج ذلك العالم .. عالم السجون والمعتقلات .. أخذهم زملاء العنبر إلى أفرشتهم كل واحد منهم على سرير صغير عليه بطانية خشنة ..
جلس عمرو على طرف فراشه مشدوها لما رأى فى تلك الأيام أولا فى أمن الدولة وثانيا هنا فى السچن .. وقال پغضب وعصبية موجها كلامه لفارس 
وبعدين يا فارس هنفضل كده لحد أمتى حتى منعرفش تهمتنا ايه 
جلس أحد الرجال على السرير بجواره قائلا
لا لازم تهدى وطى صوتك اللى بيعلى صوته هنا بيتسحب على عنبر التأديب 
ألتفت عمرو إليه وحدق به قائلا 
ايه عنبر التأديب ده كمان
أبتسم الرجل وقال 
اه معلش كان المفروض أشرحلكم من الاول .. النظام هنا ... السچن متقسم كذا عنبر ..عنبر التأديب وده متقسم زنازين صغيره مترين فى مترين وده بيبقى أنفرادى ..
وعنبر الجنائى ودول بقى تجار المخډرات وقتالين القټله وغيرهم وعنبر التخابر وده بقى مخصص للجواسيس وده بقى أنضف عنبر هو وعنبر القضاة وافراد الشرطة اللى بيجى هنا متهم فى قضية رشوة ولا فساد والمعاملة فيهم معاملة خمس نجوم .. 
وهنا بقى العنبر السياسى وده كل اللى بيقول رايه فى البلد دى ومعظمه مشايخ زى ما أنت شايف ..أبتسم بلال وهو يومىء برأسه 
وقال 
ونسيت عنبر الاخوان 
ضحك الرجل بصوت خفيض وقال ل بلال 
اظاهر انك جيت هنا قبل كده يا شيخ
قال بلال بجمود 
جيت مرة واحدة بس عرفت كتير
كتم عمرو غضبه وقال 
برضه محدش جاوبنى هنفضل كتير ومن غير ما نعرف تهمتنا ايه 
ربت الرجل على كتفه قائلا 
طالما محدش حقق معاكوا يبقى مفيش تهمة وبما أنكوا جايين دلوقتى يبقى انتوا مش معتقلين رسمي
قال فارس بإقتضاب 
يعنى أيه مش رسمي
تكفل بلال بالرد عليه قائلا 
يعنى زي ما صاحبك قالك .. متوصى علينا 
أقترب عمرو من فراش بلال وجلس على طرفه قائلا 
مين اللى هيوصى علينا يتعمل فينا كده مين 
قال بلال وهو ينظر أمامه بشرود 
مش عارف يا عمرو بس الموضوع ده شكله هيطول ولازم نحاول نهدى علشان نعرف نفكر..
قال كلمته الأخيرة ثم نهض قائلا
تعالوا نصلى على الأخ اللى ماټ ده 
قال الرجل الذى يحدثهم 
هيجوا يخدوا جثته الفجر مع انهم عارفين ان فى واحد مېت هنا من بعد العشاء
ميرسى يا فندم ..
نطقت دنيا بهذه العبارة وهى تتناول الشيك من والد هانى المتهم فى قضية القټل
وبرقت عينيها وهى تنظر للمبلغ المدون فيه وقالت بابتسامة 
حضرتك أطمن خالص أبنك هيبقى فى حضنك قريب جدا
قال الرجل بلهفة 
يارب يا أستاذة ربنا يسمع منك ...
ثم قال بتساؤل 
هو الدكتور فارس مجاش النهاردة ولا ايه 
قالت بتمساك
الدكتور فارس مش بيجى كل يوم.. ولما بيكون مش موجود انا ببقى مكانة
أومأ الرجل برأسه متفهما وقال 
المهم عندى أنه هو اللى يشتغل القضية بنفسه 
رفعت حاجبيها بدهشة مصطنعة وهى تقول 
طبعا يا فندم القضايا اللى زى دى الدكتور فارس هو اللى بيكتب فيها المذكرات وهو اللى بيترافع ..واحنا بس بنعمل الشغل الارى والمالى بتاعها علشان كده طلبت من حضرتك تكتب الشيك بأسمى يعنى حضرتك هتشوفوا فى المحكمة ان شاء الله ..
بعد قليل أنصرف الرجل ودخل خلفه وائل مسرعا وقال بعينين لامعتين 
أداكى الشيك
ابتسمت بثقة وهى ترفع الشيك أمام عينيه ثم وضعته فى حقيبتها قائلة بقلق 
أهى الفلوس بقت معانا والراجل جاب الاتعاب كلها مش نصها زى ما كنا فاكرين عاوز ابنه بأى طريقة ..يارب بقى باسم يخلصنا من القضية دى بسرعة بقى انا قلقانة أوى 
قال وائل مشجعا 
متقلقيش يا أستاذة.. أنت قدها وقدود والأستاذ باسم خلاص ظبط الناس مش ناقص غير الفلوس علشان ينفذوا
ربتت على حقيبتها وهى تقول 
وأهى الفلوس .. يلا بقى كلمه وخليه يخلصنا 
تحدث وائل هاتفيا مع باسم وأخبره أن المال قد أصبح بحوزت دنيا .. مد وائل يده بالهاتف إلى دنيا قائلا
الأستاذ عاوز يكلمك
تناولت

الهاتف وقالت 
بس هنقعد فى مكان عام مش عندك فى المكتب
أطلق ضحكة عالية أشعرتها بالاشمئزاز وقال بخبث 
أيه موحشتكيش ولا ايه 
أتسعت عينيها وشعرت أنها ستتقيأ عندما ذكرها بما حدث سابقا ..أغلقت الهاتف فى وجهه وهى تتمتم 
حيوان 
وقف صلاح ينظر إلى إلهام التى كانت تتحدث فى الهاتف بلهفة وهى تقول لمحدثها 
طبعا يا باشا من رجالتنا ومينفعش نسيبه كده .. دى حتى تبقى وحشه فى حقنا وبعدين اللى موصى عليه ده مش أكبر من معاليك 
صمتت بعض الوقت تستمع إليه ثم قالت بثقة 
يافندم أرهاب أيه.. بقول لمعاليك من رجالتنا
صمتت قليلا ثم قالت وهى تنقر على سطح مكتبها بأطراف أصابعها بعصبية 
ماشى يا فندم اللى تشوفه .. ساعتك المهم بس ميطولش كتير..
أغلقت الهاتف وزادت عصبية نقرها على المكتب فقال صلاح متلهفا
ها يابشمهندسة ايه الاخبار
ضړبت المكتب بقبضتها وهى تقول بضيق 
لو كان لوحده كان طلعه بسهولة.. المشكلة فى الاتنين اللى معاه.. علشان كده بيقولى الموضوع هياخد وقت 
قال صلاح بحزن 
يعنى الولد المسكين ده هيفضل مرمى كده من غير ذنب 
قالت بعصبية 
مش قادره اعمل اكتر من كده يا صلاح.. أنا وصلت لأعلى المستويات كل اللى وعدونى بيه أن محدش هيقربله وهيفضل هناك معزز مكرم لحد ما يطلع ..
خبطت سطح مكتبها مرة أخرى حتى آلمتها قبضتها ففركتها بغيظ وضيق وهى
تقول 
لو كان لوحده كنت عرفت اطلعه النهاردة.. المشكله فى الاتنين اللى مربين دقنهم اللى معاه دول ..أنا عارفة أيه الأشكال اللى بيعرفها دى!
فتح باب العنبر مرة أخرى فتعلقت أبصار الجميع به .. دخل الشاويش المسئول عن العنبر وتقدم باتجاه عمرو وفارس وبلال وأشار إليهم بحزم وقسۏة قائلا
تعالوا معايا انتوا التلاتة
نظر ثلاثتهم إلى بعضهم البعض بتساؤل فصړخ بهم بصوت كريه مرة أخرى 
بقول قوم انت وهو
نهض ثلاثتهم وهم ينظرون إليه بحنق وتعلقت به أبصار شركائهم فى العنبر وهم ينظرون إليهم بشفقة ..سار ثلاثتهم خلفه وبعد أن أغلق العنبر أمرهم ان يسيروا خلفه ..ساروا قليلا حتى توقف بهم أمام أحد الزنازين وشرع فى فتح بابها وهو يقول متبرما 
حظكوا من السما ...
فتح الزنزانة ثم دفعهم داخلها بقسۏة مرة أخرى وأغلقها خلفهم كانت الزنزانة أقل عددا من العنبر الآخر بكثير.. كانت تبدو أكثر آدمية من التى قبلها .. والفرش والأغطية كانت تبدو أكثر راحة من العنبرالأول نوعا ما ...نظر زملائهم إليهم متسائلين كما يفعل مع كل معتقل جديد فالقى بلال السلام ..فأجابه البعض بخفوت
ألقى ثلاثتهم أجسادهم على فرشهم بإنهاك شديد ولأول مرة تذوق عيونهم طعم النوم منذ اعتقالهم ...
بعد ساعة استيقظ بلال على هزات خفيفة ..أنتبه من نومه دفعة واحدة بإنفعال فربت الرجل الذى كان يوقظه على صدره يهدئه وهو يقول 
أهدى يا أخى انا بصحيك علشان تلحق الصلاة متخافش
نهض بلال وهو يشعر أن عظامه مختلطة ببعضها البعض فى ألم شديد ..توجه إلى فارس وعمرو وأوقظهما بنفس الهزات الخفيفة فاستيقظوا بنفس الأنتباه المفاجىء واتساع حدقاتهما بإنفعال شديد فطمئنهم وهو يقول 
يلا قوموا علشان نلحق الصلاة
زفر عمرو بقوة وهو يقول 
يا أخى حرام عليك ده انا مصدقت يغمضلى جفن
توجه فارس إليه وهو يمسك بيده لينهضه رغما عنه قائلا 
قوم صلى يا عمرو .. الله أعلم احنا أعمارنا هتخلص أمتى هنا
وقف بلال بعد أن توضأ ليصلى بهم ولكن الرجل الذى أيقظه اقترب منه وقال محذرا 
كل واحد يصلى لوحده يا دكتور .. صلاة الجماعة ممنوعه هنا
أومأ بلال برأسه وقد تذكر ..فألتف إليه فارس قائلا 
ويمنعوا صلاة الجماع ليه
ضړب عمرو كفا بكف وهو يقول 
هو أحنا فى غوانتانمو ولا ايه
أنتهى الثلاثة من صلاتهم تباعا واحدا تلو الآخر.. مر يومان والحال هكذا لم يتغير ..
كانت بوابة الزنزانة تغلق عليهم فى تمام الخامسة والنص مساءا وكذا يكون أنتهى اليوم داخل السچن فيبدأ بلال فى أعطائهم بعض التمرينات الرياضية التى تقوى عظامهم لتستطيع تحمل خشن العيش داخل السچن وليستطيع مقاومة الرطوبة المنتشرة فى كل مكان فيه ... كان الجميع يستجيب له إلا واحدا لاحظ بلال أنه يرمقهم بنظرات غاضبة
وكارهة لهم يظهر ذلك فى عينيه جليا كلما الټفت
 

انت في الصفحة 1 من 13 صفحات