رواية منال الجزء الاول
انت في الصفحة 44 من 44 صفحات
يخليكي ليا ست أصيلة!
ضحكت في وجهه وأسرعت في خطواتها لتعد له وعاءا بلاستيكيا مليئا بالماء والملح لتخفف عنه آلام قدميه
في صباح اليوم التالي
كان يغط في نومه بإرتياح حتى بدأت تعابير وجهه في التشنج قليلا بسبب ذلك الرنين المتواصل لهاتف ما
استعاد وعيه نوعا ما لكنه لم يستيقظ كليا
في البداية ظن منذر أنه يحلم وأن صوت الهاتف ضمن حلمه الغير مفهوم فلم يهتم وقاوم نداء عقله بالإستيقاظ والانتباه
مد يده نحو الكومود محاولا البحث عنه والإمساك به لوقف صوته المزعج لكنه لم يجده فرفع رأسه مجبرا عن الوسادة ليبحث عنه بعينين ناعستين
دقق النظر بنصف عين مفتوحة ولكن لا شيء
كان الرنين أتيا من مكان أخر
فرك وجهه بكفه وتثاءب بصوت مسموع ثم رمش بعينيه لأكثر من مرة ليعتاد على الإضاءة الخاڤتة بغرفته
تحركت عيناه صوب التسريحة حيث ذلك الكيس البلاستيكي
كان الصوت أتيا منه فتأكد أنه يخص هاتف المرحومة حنان
تثاءب مرة أخرى بإرهاق ثم أزاح الغطاء بعيدا عنه ونزل عن الفراش ليخرجه من الكيس
فرك فروة رأسه بكف يده عدة مرات وهو يدقق النظر في شاشته الصغيرة ذات الإضاءة البرتقالية ليرى رقما غريبا صادحا عليها
الو
أتاه صوتا أنثويا هاتفا بنعومة رغم جديته
مع حضرتك فندق ده رقم السيدة حنان
أجابها بإختصار
اه هو
استأنفت حديثها قائلة بنبرة رسمية
طب حضرتك احنا بنسأل عنها المفروض كانت عاملة حجز عندنا هي وبنتها بس بقالها كام يوم مش ظاهرة والمفروض تعمل check out!
توقف عن فرك رأسه مجيبا إياها بتجهم
اضطربت نبرة الموظفة بعد تلقيها لهذا الخبر الصاډم وهتفت معتذرة
أنا أسفة جدا يا
فندم البقاء لله!
رد عليها بصوت متحشرج
الدوام لله متشكر!
زاد ارتباكها وهي تتابع مبررة موقفها
أنا انا معرفش ومحدش بلغ إدارة الفندق!
عادي حصل خير!
قالها منذر على مضض محاولا إنهاء الحديث معها لكنها أكملت مكالمتها مضيفة بجدية
بالطبع أدرك أن عليه أن يحل تلك المسألة العالقة فورا فالموظفون بتلك الفنادق دوما يحاولون إنجاز أعمالهم بصورة رسمية لذا قاطعها قائلا بنبرة حاسمة ودون الإطالة في التفكير
أنا هاجي عندكم أخلص كل حاجة!
تمام يا فندم في انتظار حضرتك بس ممكن أسجل اسمك عشان الاجراءات!
أجابها بنفاذ صبر
منذر طه حرب!
تابعت مجاملة بنفس النبرة المعتادة في عملها
شكرا ليك أستاذ منذر وفي انتظارك في أي وقت ومرة تانية بأكرر تعازيا الحارة للمرحومة!
رد عليها بإيجاز وقد زاد عبوس وجهه
العفو!
ضغط على زر الإنهاء وتطلع أمامه بنظرات فارغة ثم حدث نفسه بضجر وهو يضغط على شفتيه
الظاهر إتكتب عليا أخلص كل حاجة تبع عيلة خورشيد!
شعرت بلمسة رقيقة تداعب وجهها لتسحبها إلى أرض الواقع بعيدا عن أحلامها الحزينة
ظلت تفتح وتغمض جفنيها بحركة عفوية وهي تحاول الاستسلام لسلطان النوم الذي كان يجافيها طوال الليل
أوقظتها عمتها عواطف بصوت دافيء قائلة بود وابتسامتها الحنونة لم تفارق شفتيها
اصحي يا أسيف فوقي يا حبيبتي عشان تفطري معانا
ردت عليها أسيف بصوت متثاقل وناعس للغاية
مش عاوزة
مسدت عواطف على رأسها برفق قائلة
لا مافيش حاجة اسمها مش عاوزة انتي دلوقتي في بيتك تقومي تاكلي وتشربي براحتك وأنا مش هاسيبك كده هفتانة!
ردت عليها أسيف معتذرة بتهذيب
معلش ماليش نفس!
ألحت عليها عواطف بإصرار أكبر
ده أنا عاملة فطار تاكلي صوباعك وراه قومي اغسلي وشك ويالا يا بنتي ده بنات عمتك مستنينك !
تذكرت أسيف تلك الشابتين اللاتين قابلتاها بفتور ممزوج بالإنزعاج
تجدد في نفسها الإحساس بعدم الترحيب بالمنزل فردت بنبرة حرجة
بلاش أضايقهم بوجودي ك كفاية اني أخدت أوضة
قاطعتها عواطف قبل أن تكمل جملتها قائلة بجدية
تضايقي مين هما بس لسه مش واخدين عليكي!
ثم ابتسمت أكثر وهي تكمل بنبرة ودودة
بس أما هاتعرفيهم هتحبيهم والله وبعدين البت بسمة رغم لسانها الطويل إلا ان قلبها طيب وتتحب!
أزالت عنها الغطاء قليلا لتشجعها على النهوض
يالا يا بنتي والله هتتبسطي معانا قومي يالا
في الأخير اضطرت أسيف أن تلبي رغبة عمتها فلن تبقى في الفراش للأبد عليها أن تختلط بعائلتها الجديدة
استقل منذر سيارة أجرة ليصل إلى الفندق المنشود
لم تكن المسافة بعيدة فقد كان قريبا من منطقته الشعبية
توقف السائق أمام المدخل فترجل هو منها واتجه للإستقبال ليقول للموظفة المتواجدة خلف الطاولة الرخامية العالية بجدية
كان جالي تليفون من اللوكاندة هنا يقولي أستلم حاجة المرحومة حنان!
سألته الموظفة بنبرة عملية وهي تحدق فيه بتفرس
أستاذ منذر طه
أجابها بجدية دون أن تطرف عيناه
اه أنا
أسندت أمامه على الطاولة عدة أوراق وقلم حبري قائلة بهدوء
اتفضل حضرتك أنا مجهزة كل حاجة ناقص بس دفع باقي التكاليف وحضرتك هتطلع بعدها مع العامل للأوضة تستسلم المتعلقات الشخصية
لوى ثغره ليقول بجمود
ماشي
ثم هتفت الموظفة بصوت مرتفع وهي تشير بيدها لأحد العاملين
عماد من فضلك اطلع مع الأستاذ منذر أما يخلص توقيع الورق لأوضة رقم
رد عليها العامل بنبرة مطيعة
حاضر يا آنسة
بعد برهة استقل منذر المصعد ليصل إلى الطابق المتواجد به الغرفة السابقة للنزيلة حنان
جاب هو الرواق بنظرات عمومية شاملة دارسا لتفاصيله
لم يكن الفندق على قدر من المستوى لكنه كان ملائما للطبقة المتوسطة وأسعار غرفه نوعا ما
زهيدة
سبقه العامل بخطوتين ليفتح الباب له قائلا بترحيب متقن
اتفضل يا فندم دي الأوضة!
هز رأسه بإيماءة خفيفة وهو يرد
طيب
أشار له العامل بذراعه متابعا
الحاجة زي ما هي يا فندم محدش جه جمبها!
رد عليه منذر بتنهيدة وهو يدور ببصره في أرجاء الغرفة متفقدا محتوياتها
ماشي أنا هاجمعهم!
اقترح العامل مد يد العون له قائلا بتهذيب
لو تحب أساعد سيادتك
قاطعه منذر باقتضاب وهو يخرج له حفنة من البقشيش ليعطيها له
مافيش داعي!
اعتلى ثغر العامل ابتسامة سعيدة للغاية بعد تلقيه لهذا المبلغ وهتف قائلا بحماس
شكرا يا فندم أنا واقف برا لحد ما حضرتك تخلص أنزلك الشنط لتحت!
هز منذر رأسه قائلا بتفهم
طيب
انتظر هو حتى انصرف العامل من الغرفة ثم وقف في منتصفها ينظر بحيرة حوله وواضعا ليديه على منتصف خصره
نفخ مجددا بضيق وهو يحدث نفسه
دايما بأتحط في مواقف عجيبة مع العيلة دي!
عبست نيرمين بوجهها للغاية حينما رأت والدتها مقبلة عليها بعد أن طال تواجدها بغرفة أختها بسمة لتوقظ ابنة خالها التي ظهرت لها من العدم
هتفت بتهكم قاسې وهي تطرق بأصابعها على سطح طاولة الطعام
صحي النوم احنا هانموت من الجوع وفي ناس ولا على بالها!
رمقتها أمها بنظرات حادة وهي توبخها
بطلي نأرزة يا نيرمين ما انتي كل يوم بتصحي العصر ماجتش من 5 دقايق يعني اتأخرت فيهم!
انزعجت نيرمين من عدم اكتراث والدتها بها فصاحت معاتبة بشدة
جرى ايه يا ماما هو انتي هتقفي في صفها من دلوقتي احنا بناتك!!!!!
ردت عليها عواطف بنبرة جادة وقد قست نظراتها
وهي بنت المرحوم أخويا رياض يتيمة ومعدتش ليها حد إلا احنا يا ريت تفهمي ده!!
احتجت نيرمين على أسلوبها وردت قائلة
بس
رفعت عواطف كف يدها في وجهها وهي تقاطعها بحدة قليلة
من غير بسبسة عاملي البت كويس يا نيرمين بدل ما أقلب على الوش التاني
رمقت نيرمين والدتها بنظرات ضائقة وتمتمت مع نفسها بسخط وبصوت خفيض
مابقلهاش يوم في البيت وشقلبت حال أمي! اومال لو اعدت معانا أكتر من كده هاتعمل ايه!!!!
التفتت عواطف برأسها لتجد أسيف تتحرك ببطء نحوهما كانت تقدم قدما وتؤخر الأخرى وهي تسير بتردد ظاهر للعيان
هتفت عمتها قائلة بتشجيع
تعالي يا أسيف دي نيرمين بنتي الكبيرة انتي شوفتيها قبل كده في المستشفى ساعة
قاطعتها أسيف بحرج قليل
أها فكراها!
ثم استدارت برأسها نحوها لتهمس بصوت خجل وهي تحاول الابتسام
صباح الخير
ردت عليها نيرمين بنبرة متجهمة
أهلا!
ثم أشاحت بوجهها بعيدة عنها متجاهلة إياها عن عمد وأكملت ببرود
مش هناكل بقى ولا هنفضل نسلم ونرحب ببعض كتير!
نظرت لها عواطف شزرا وهمست بصوت مزعوج من طريقتها الجافة في التعامل معها
استغفر الله العظيم يا رب
التفتت مجددا نحو ابنة أخيها وربتت على ظهرها قائلة بنبرة مرحبة
اقعدي يا أسيف مدي ايدك يا بنتي وكلي
جلست الأخيرة على إستحياء على الطاولة وتحاشت النظر إلى نيرمين فهي تفهمت شعورها نحوها ولن تجبرها على تقبل وجودها
تعلقت أنظارها بصحن الطعام الموضوع أمامها وبدت حرجة للغاية وهي تلتقط لقيمات صغيرة من الخبز
صاحت عواطف بنبرة متلهفة
إن شاء الله الأكل يعجبك!
ثم وقفت إلى جوارها وصبت لها الشاي الساخن في قدحها وتابعت متسائلة باهتمام
قوليلي تحبي أعملك ايه على الغدا
هزت رأسها نافية وهي
ترد بصوت متلعثم
ولا حاجة ماتتعبيش نفسك!
قطبت عواطف جبينهاوردت مستنكرة
تعب ايه بس احنا بنطبخ كل يوم يعني مافيش جديد بصي النهاردة أنا هاعملك فراخ وبطاطس وخضار و
اتسعت حدقتي نيرمين مشدوهة من ذلك الحماس العجيب الذي سيطر على والدتها وكأن من تسكن معهن هي سفيرة أتت من الخارج فشهقت مصډومة
الله الله! دي وليمة بقى!
سلطت عواطف أنظارها الحادة
عليها وردت بحماس أكبر لتثير غيظها
اه وليمة وإن كان عاجبك هو أنا عندي أعز من بنت رياض!
ثم مسحت على ظهرها بنعومة لتستفزها أكثر
كزت نيرمين على أسنانها بحنق ونفخت بصوت يصل إلى الآذان معلنا عن ڠضبها مما يحدث
انتبه ثلاثتهن إلى صوت قرع الجرس فأشارت عواطف بعينيها لابنتها قائلة
قومي شوفي مين!
ردت عليها نيرمين بتبرم
أكيد مش بسمة هي في مدرستها وده مش ميعاد خروجها!
أضافت والدتها قائلة پتعنيف خفيف
قومي افتحي الباب يا نيرمين اتلحلحي يالا!
زفرت بضجر وهي ترد
أوف! طيب قايمة!
اتجهت نحو الصالة وسحبت ذلك الحجاب المنزلي والذي يرتدى عند الحاجة من على ظهر الأريكة ولفته بلا ترتيب حول رأسها واتجهت نحو الباب
فتحته لتجد منذر أمامها واقفا على عتبة منزلها فحدقت فيه بإستغراب
لم تنتبه إلى الحقائب التي بحوزته والمسنودة إلى جوار قدميه فقد كانت أنظارها معلقة به
لكنها سريعا ما أخفضت بصرها عنه حينما قال بصوت رخيم
سلامو عليكم!
ردت بترحيب ودود وهي تتنحى للجانب لتفسح له المجال للمرور
وعليكم السلام اتفضل يا سي منذر!
سمع الاثنان صوت عواطف يأتي من الداخل متسائلا
مين يا نيرمين
أجابتها نيرمين بنبرة عالية وهي تدير رأسها للخلف
ده سي منذر ابن الحاج طه!
ردت بصوت مرتفع
قوليله يتفضل!
التفتت تنظر إليه قائلة بنبرة لطيفة
اتفضل يا سي منذر
وقبل أن يفتح فمه ليعترض رأى عواطف مقبلة عليه هاتفة بصوت متحمس
تعالى يا سي منذرده حماتك بتحبك أنا لسه بأوضب في الفطار و
قاطعها قائلا بجمود وهو يسلط أنظاره عليها
لامؤاخذة إن كنت جاي من غير ميعاد!
استغربت من رده وقالت بنبرة مجاملة
ده بيتك يا سي منذر!
تابع هو قائلا بنفس الجمود دون أن ترتخي ملامح وجهه
إن مكانش فيها إساءة أدب عاوز أكلم بنت أخوكي في حاجة مهمة!
انقبض قلبها نوعا ما عقب عبارته الأخيرة وانهالت عليه بأسئلة متتابعة دون أن تترك الفرصة لنفسها لتلتقط أنفاسها
أسيف خير في حاجة تانية حصلت قريبها جه تاني
رد
عليها باقتضاب
لأ
ثم طلب منها بنبرة ملحة
ناديها بعد اذنك!
ارتابت هي من إصراره على لقاء أسيف وردت بارتباك قليل
اه طبعا اتفضل خش جوا مش هاتفضل واقف على الباب كده!
تحرك خطوتين ليلج للمنزل بعد أن انحنى ليحمل حقائب السفر
هتفت عواطف بنبرة عالية وهي تتجه للداخل
يا أسيف تعالي يا بنتي سي منذر عاوزك!
نظرت نيرمين بفضول كبير إلى تلك الحقائب وظلت تفكر في سبب إحضارهم إلى المنزل هنا لكنها لم تتجرأ على سؤاله
حضرت أسيف إليه بعد عدة دقائق قضتها في ارتداء اسدال الصلاة الذي استعارته من عمتها
حدقت فيه بنظرات قلقة وهي تهتف بصوت مرتبك نسبيا
سلامو عليكم!
سلط أنظاره الجامدة عليها مرددا بثبات
وعليكم السلام
ابتلعت ريقها ساءلة إياه بتوتر ملحوظ
في في حاجة جدت
اقترب منها ليقف قبالتها ثم نظر مباشرة في عينيها قائلا بإيجاز
لأ!
ظلت أنظارهما متعلقة ببعضهما البعض لثوان قبل أن ينطق بجمود جعل قلبها يخفق پخوف كبير
هي حاجة ليها علاقة باللوكاندة اللي كنتوا أعدين فيها إنتي والمرحومة !!!!!!
يتبع
الفصل السادس والعشرون
ارتفع حاجبي أسيف للأعلى عقب جملته الأخيرة وشحب لون وجهها لتبدو بشرتها غير طبيعية
تجمدت نظراتها المرتعدة على وجهه
كما اضطربت نبضات قلبها وشعرت بصوتها العڼيف يخترق أذنيها بقوة
هو يتحدث عن والدتها المتوفاة عما يخصها
جاهدت لتبدو صلبة لكنها كانت تحترق حزنا من الداخل
تابع منذر قائلا بصوت ثابت وهو يتفرس وجهها المرتبك
اتصلت بيا واحدة من اللوكاندة على تليفون أمك تقولي أجي أستلم شنطكم
نهج صدرها بتوتر كبير وهي تسأله بنبرة متلعثمة
تليفون ماما!
رد عليها موضحا بنبرة خالية من الانفعالات
اه الأمانات في المستشفى ادهوني واحنا اتلبخنا في ډفنة المرحومة ونسيت أرجعهولك مع بقية حاجاتها!
ثم أخرج الهاتف وحافظة نقود الفقيدة من جيبه ليعطيهما لها قائلا بهدوء
وبقية الحاجة محطوطة جوا الشنط بتاعتكم!
لم تصغ إلى ما قاله وحدقت بنظرات مذهولة في متعلقات أمها الراحلة وسريعا ما تراقصت العبرات في مقلتيها
تناولت هاتفها القديم منه بيد مرتجفة وتجمدت عيناها المغرورقتان بالعبرات عليه متذكرة نبرة صوتها الرقيق المطمئن حينما تتحدث فيه وتحسست بأصابع مرتعشة حافظة نقودها التي كانت دوما موضوعة في حجرها
اندفع إلى عقلها ذكريات كثيرة جمعتها مع أبيها وأمها في أماكن مختلفة بقريتهم وبمنزلهم وأرضهم الزراعية
ذكريات كانت هي كل محورهم اهتمامهم الأكبر والوحيد
وفجأة اختفى كل هذا ليحل بدلا عنه القسۏة والوحدة والفراق
نظر لها منذر بإستغراب من ردة فعلها خاصة أنها بدت وكأنها في عالم أخر واستدار برأسه ليوجه حديثه إلى عمتها
أنا لمېت بنفسي كل حاجة من الأوضة مافيش حاجة نسيتها هناك!
هتفت عواطف قائلة بإمتنان كبير
كتر خيرك يا سي منذر والله تعبينك معانا!
الټفت برأسه نحو أسيف مجددا ليضيف بجدية وهو محدق بها بنظرات ثابتة
وماتقلقيش الحساب خلصان هناك!
ولم تكن مدركة له ولم تنتبه لكلمة واحدة مما نطق بها فعقلها كان مركزا فقط على أخر ما تبقى من ذكرياتها الغالية
صاحت نيرمين بصوت عال مرددة بإعجاب
سي منذر طول عمره شهم وبيقف مع كل الناس مش جديد عليه ده
رد عليها بابتسامة باهتة ملتفتا نحوها
متشكر
بينما أضافت عواطف قائلة بإمتنان أكبر من السابق
احنا من غيره هو والحاج طه نتوه ربنا يباركلنا فيه ويفضلوا دايما سندنا
بدا ما تسمعه حولها همهمات مبهمة أصوات مختلطة تزعجها بشدة فتحول دون استمرارها في إستعادة سيل الذكريات البعيدة
عاود منذر النظر إلى أسيف ليجدها في تلك الحالة الغريبة فعبس بوجهه وسألها بجدية قليلة
انتي كويسة
لم تجب عليه بل لم تشعر به من الأساس
قربت حافظة النقود من أنفها تستنشق بقايا عبير أمها فيها
تنفست بعمق حابسة تلك الرائحة في صدرها لعلها تطفيء لهيب اشتياقها إليها فتثلج روحها لكن زاد هذا من لوعتها
أغمضت عيناها قهرا باكية بحړقة شديدة تدمي القلوب
لم تستطع تحمل هذا الضغط النفسي العصيب أكثر من هذا فإنهارت قواها كليا وارتخت أصابعها عن الهاتف القديم وحافظة النقود
انتفض منذر في مكانه مصډوما حينما رأها تترنح أمامه فمد ذراعيه نحوها سريعا ليتلقفها قبل أن يسقط جسدها على الأرضية
شهقت عواطف بهلع قائلة وهي تلطم على صدرها
أسيف!!!
احتقن وجه نيرمين بشدة واصطبغ بحمرة منزعجة من ذلك الموقف وظنت أنه مفتعل من ابنة خالها لتجذب انتباه منذر إليها فتملكها الضيق والڠضب وظلت تنفخ مغتاظة
أمسك منذر بأسيف جيدا ثم سار بها عدة خطوات ليضعها على أقرب أريكة وعواطف من خلفه تصيح بفزع
جرالك ايه يا بنتي!
تراجع منذر للخلف بعد أن أسندها برفق على الأريكة وجلست عواطف إلى جوارها محاوطة رأسها بكفيها متسائلة بصوت مضطرب خائڤ
ايه اللي حصلك بس فوقي يا بنتي!
رد
عليها منذر بنبرة مهتمة بعد أن تصلبت ملامحه نوعا ما
أطلبها دكتور
هتفت نيرمين قائلة بنبرة محتقنة وهي تدنو منهم بوجهها المتجهم
مافيش داعي أنا هشوفلها كولونيا ولا مياه تفوقيها بيها!
مسحت عواطف على وجنتها برفق هاتفة لها بنبرة مذعورة
قومي يا بنتي ده انتي كنتي لسه كويسة!
تمتمت نيرمين من بين شفتيها بنبرة مغلولة وهي تتجه للمطبخ
زفر منذر بضيق وتلفت حوله منزعجا ثم أردف قائلا بصرامة
أنا هاطلب الدكتور يجيلها ده أحسن!
عادت نيرمين من الداخل مرددة بنبرة عالية واثقة
مالوش لازمة دلوقتي هاتفوق!
ثم أشارت إلى ما تحمله في يدها من كوب زجاجي ممتليء بمياه الصنبور
اقتربت نيرمين من أسيف وحدجتها بنظرات احتقارية مشټعلة منها
ما أغاظها حقا هو اهتمام الرجال بها وخاصة منذر الذي يعد من كبار أسياد رجال الحارة وأنها حازت على اهتمامه الثمين فبات ينهي أعمالها المعلقة وكأنها تعني له شيئا
كذلك قيامها بجمعهم حولها منذ أن وطأت قدماها إلى منطقتهم بل الأدهى أنها استطاعت أن تجذبهم إليها فأولوها إهتمامهم الكامل دون أي مجهود يذكر منها وهي على النقيض شعرت بكونها مكروهة منبوذة وسط عائلة زوجها السابق حاتم وتكبدت العناء معه وتحملت قسوته وفظاظته وأخفت الكثير من أمور حياتها عن عائلتها لتحافظ على استقرار عائلتها لكنها لم تحصل في الأخير على اهتمامه ولا على أي شيء
زاد ذلك الإحساس لديها بالنفور والبغض بعد حصولها على لقب مطلقة لأكثر من مرة فأصبحت كالمصاپة بالجذام أو عدوى خطېرة
وضعت نيرمين نفسها في مقارنة غير عادلة معها رغم عدم معرفتها بها
فبلا وعي منها قذفت وجهها بمحتوى الكوب فجأة وتمنت في نفسها لو كان ما به ماء ڼار فټشوهه وټحرقها
شهقت أسيف وهي تسعل بإختناق مستعيدة وعيها إلى حد ما
بينما اتسعت حدقتي عواطف بذهول مصډوم من فعلة ابنتها المباغتة وهتفت معنفة إياها بحدة
في حد يفوق حد كده انتي غبية!
صدم منذر هو الأخر من طريقتها الفظة في إفاقتها وتشنجت تعابير وجهه بشدة لكنه منع نفسه من التدخل أو التعقيب فهن أقارب في بعضهن البعض ليس له الحق في التدخل في تصرفاتهن حتى وإن كانت خاطئة
ردت عليها نيرمين ببرود
ما هي فاقت أهي مش بأقولك تمثيلية! يا ماما انتي طيبة ومش هاتفهمي الحركات دي!
رمقتها أمها بنظرات ڼارية وهي تكز على أسنانها بقوة
بكت أسيف متأثرة وهي تنتحب بأنين متآلم
استدارت عمتها نحوها وضمتها إلى صدرها لتربت على ظهرها برفق وحنو محاولة التهوين عليها
هتفت بصوت منزعج
حصل خير يا بنتي!
نفخت نيرمين مرددة بتأفف
استغفر الله العظيم كل شوية تعمل الحبتين دول!
استشعر منذر الحرج من وجوده فتنحنح قائلا بخشونة
أنا كده سلمت الأمانة واطمنت سلامو عليكم
التفتت نيرمين نحوه قائلة بنزق
استنى بس يا سي منذر
قاطعها قائلا بجدية وهو يوليها ظهره متحركا بخطى سريعة
خدوا راحتكوا سلامو عليكم!
حاولت الركض خلفه لإيصاله إلى الباب لكنه كان الأسرع في الوصول وصفقه خلفه بقوة
تنهدت نيرمين بعمق مرددة بضجر
كان ناقصنا حركاتها القرعة دي! أهوو الجدع مشى!
أثناء اليوم الدراسي بالمدرسة الحكومية التي تعمل بها بسمة اقټحمت باحة المدرسة إحدى السيدات الشعبيات ذات الصيت الذائع والمعروف عنها بكونها سليطة اللسان صاړخة بإهتياج
فين ناظر المخروبة دي فين اللي شغالين هنا
حدقت فيها بسمة بنظرات متعجبة متأففة من هيئتها وأسلوبها الھمجي السوقي في الحديث ومالت على رفيقتها في العمل لتسألها بفضول
مين دي
أجابتها زميلتها متعجبة
انتي مش عارفها
هزت بسمة رأسها نافية وهي تقول
لأ!
تابعت زميلتها قائلة بصوت خفيض وهي توميء بعينيها
دي أم ولد عندنا في رابعة ابتدائي ست أعوذو بالله منها تاجرة في سوق السمك بس لسانها
زفر وحاجة كده استغفر الله العظيم!
ضاقت نظرات بسمة للغاية وتساءلت مندهشة
ودي جاية
هنا ليه
أجابتها رفيقتها وهي تهز كتفيها
أكيد في مشكلة مع ابنها!
لكزتها بسمة في جانبها قائلة بفضول وقد بدا على ملامح وجهها الإهتمام
طب تعالي نتفرج بس من بعيد
ماشي
بصړاخ أقوى
انتو يا مدرسة مافيهاش راجل!!!
تفاجيء الجميع بما تفعله تلك السيدة وارتسم على وجوههم علامات الاستنكار والضيق الكبير
أسرع أحد مسئولين الإدارة بالركض نحوها مانعا إياها من الإستمرار فيما تفعله من أمور جريئة وصاډمة قائلا بتحذير شديد اللهجة وهو يشير بيده
عيب يا ست انتي في مدرسة محترمة اللي بتعمليه ده مايصحش!
هدرت بصوت منفعل وهي تنظر له بازدراء
محدش هيعلمني الصح من الغلط!
توسل لها المسئول قائلا برجاء
أرجوكي اتفضلي نتكلم جوا في المكتب
رمقته بنظرات إحتقارية صريحة متغنجة بجسدها بحركة استفزازية ثم سألته بسخط وهي تضع يدها على منتصف خصرها
وانت مين بقى ان شاء الله
أجابها المسئول بنبرة رسمية وهو يتحاشى النظر إليها
أنا وكيل المدرسة الأستاذ أسامة!
رفعت كف يدها أعلى جبينها بحركة ساخرة وهي تجيبه مستهزأة
تشرفنا يا سي وكيل!
ثم عبست بوجهها أكثر وهي تضيف بعناد
أنا مش هامشي من هنا غير لما أشوف المدرس ابن ال اللي ضړب ابني بالشلوت وأجيبه تحت رجلي وأخد حقي!
ابتلع الأستاذ أسامة ريقه بتوتر قائلا
أكيد في سوء تفاهم!
رمقته بنظرات متعالية وهي تهز جسدها قائلة بطريقة فجة
سوء تفاهم مين يا أحمد يا عمر!
انزعج الأستاذ أسامة من أسلوبها المتطاول في الحديث والذي لا يتلائم تماما مع وضعه كمسئول بتلك المؤسسة التعليمية فنهرها قائلا بحدة
عيب الطريقة دي
لوحت بكف يدها في الهواء مھددة بجموح
هو أنتو لسه شوفتوا عيب!!!!
شهقت بسمة مصډومة مما رأته وهتفت بذهول
أوبا شوفي بتعمل ايه الست دي
ردت عليها رفيقتها بنبرة مصډومة هي الأخرى
لالالا كده عيب أوي!
أشاحت بسمة بوجهها بعيدا لتقول بنفور
أنا مش هاتفرج دي قلة أدب ومسخرة أنا رايحة أوضة المدرسين!
همست لها رفيقتها قائلة بفضول
استني يا بسمة نشوف هاتعمل ايه
نظرت لها بسمة شزرا وردت عليها بعدم اكتراث
اتفرجي انتي!
ثم تركتها وأسرعت في خطاها لتتجاوز الباحة قبل أن يتطور الأمر لكنها سمعت صوت الأستاذ أسامة ينادي بإسمها بنبرة عالية مرددا
يا مس بسمة مس بسمة!
تجهمت قسمات وجهها وأغمضت عيناها للحظة ضاغطة على شفتيها بضيق فهي قد خمنت سبب ندائه لها
التفتت ببطء برأسها نحوه قائلة باقتضاب
ايوه!
أشار لها بذراعه هاتفا بنبرة شبه آمرة
تعالي من فضلك هدي المدام!
ردت السيدة بأسلوب أكثر فجاجة وهي تهز في أجزاء جسدها المليء بالشحوم
أنا مش مدام يا أستاذ أنا أم منصور يا روح الروح!
نظر لها بازدراء وجاهد ليسيطر على أعصابه فالتعامل مع تلك النوعيات المتدنية من البشر تتطلب الحيطة والحذر فهم لا يمكن التنبؤ بأفعالهم
الغير عقلانية
وقفت بسمة على مقربة من وكيل المدرسة وابتلعت ريقها قائلة بارتباك قليل متجنبة على قدر المستطاع النظر في اتجاه تلك الوقحة
خير يا أستاذ أسامة
رمقها الأستاذ أسامة بنظرات ذات مغزى وهو يجيبها بهدوء حذر
المدام ليها شكوى وعاوزينك تحليها!
اعترضت على إقحامه لها في مشكلة لا تخصها بالإجبار قائلة بإنزعاج من توريطها
بس أنا مش أخصائية اجتماعية هنا أنا مدرسة
قاطعها متنحنحا بحرج
أنا عارف بس حضرتك هاتعرفي تتفاهمي معاها كويس إنتو ستات زي بعض! فاهمني طبعا
هو أراد تدخلها في إيجاد حل سريع لمشكلتها قبل أن تتفاقم وتتهور الأمور مع تلك السيدة إلى شيء لا يحمد عقباه شيء
يخجل من مجرد تصوره في عقله وفكرة تعامل معلمة أنثى معها أفضل بكثير من تدخل أي رجل لحلها خاصة أن الأخصائي الإجتماعي بالمدرسة رجل وربما لا يستطيع السيطرة عليها فهي لديها استعداد لفعل الأسوأ
نظرت بسمة إلى وكيل المدرسة بنظرات مزعوجة للغاية وهمست لنفسها پغضب
ايه المصېبة اللي حشرتني فيها دي يا أستاذ أسامة هو أنا ناقصة أعلق مع واحدة زي دي
أفاقت بسمة من صمتها الإجباري على صوت السيدة الصائح بسخط
ها يا أبلة هتشوفيلي حل ولا هتفضلي متنحة كده كتير!!!
اضطربت بسمة قليلا من طريقتها قائلة بتوجس
احم سوري اتفضلي حضرتك معايا وإن شاء الله ألاقي حل لمشكلتك!
أصدرت السيدة صوتا بفمها مستخفة بها وهي تقول
أما أشوف!
ثم سارت الاثنتان معا نحو غرفة مكتب مدير المدرسة للحديث هناك
لاحقا في المساء
حبست أسيف نفسها في غرفة بسمة رافضة الخروج منها أو تناول الطعام أو مشاركة أي أحد في الحديث
فضلت أن تكون أسيرة أحزانها
واحترمت عمتها عواطف رغبتها تلك في الإنفراد بنفسها ولم تضغط عليها كثيرا
ظلت حقائب السفر موضوعة أمامها ولم تجرؤ هي على الاقتراب منهم أو حتى فتحهم فهي تخشى أن ټنهار مرة أخرى إن رأت متعلقات والدتها
يكفيها ما مرت به من وضع مخجل أمام الجميع فتسمع بأذنيها تعليقات جارحة مسيئة لشخصها
تمددت على الفراش وانكمشت على نفسها مكورة ساقيها إلى صدرها ودفنت رأسها في الوسادة باكية بلا توقف
همست لنفسها بصوت مخڼوق للغاية
ليه سبتوني لوحدي ليه مامتش معاكو أنا ماليش حد يحبني بعدكم!
هدهدت نيرمين رضيعتها رنا بعد أن أطعمتها حتى تأكدت من نومها فأسندتها برفق على الفراش ثم دثرتها بغطاءها وخرجت من الغرفة
كانت والدتها مشغولة بإحضار أواني الطعام من المطبخ فقامت هي برص الصحون على الطاولة
ولجت عواطف لداخل غرفة بسمة لتدعو أسيف لتناول العشاء معهن لكنها أصرت على رفضها وأثرت النوم
خرجت هي من الغرفة وعلى وجهها تعابير حزينة
سئمت نيرمين من معاملة والدتها اللينة لها وضجرت من ذلك الاهتمام الزائد بها فالأمر لا يستحق كل هذا هي ليست الوحيدة في العالم التي فقدت عائلتها
رمقت هي أمها نيرمين بنظرات حادة متسائلة بحنق بائن
برضوه مش عاوزة تاكل
ردت عليها أمها بضيق
لأ من وقت ما سممتي بدنها بالكلمتين بتوعك وهي حابسة نفسها جوا!
قطبت نيرمين جبينها بشدة وصاحت معترضة رافعة حاجبها الأيسر بإستنكار
الله يا ماما انتي عاوزة الراجل يقول عننا كلمة بطالة!
عنفتها عواطف من طريقتها المتسرعة في الحكم على الأخرين مرددة
بطلي أفكارك دي يا ساتر عليكي!
انضمت إليهما بسمة جالسة على مقعدها المعتاد بالطاولة وهتفت قائلة بجدية وهي تضع بعض الطعام بالملعقة الكبيرة في صحنها الفارغ
ماما انتي شوفي حل وخلي أسيف تنام معاكي أنا عاوزة أرجع أوضتي تاني!
ردت عليها عواطف بتنهيدة
ربنا يسهل كام يوم كده تكون راقت وهاخليها تنام معايا!
أضافت نيرمين هاتفة بوجه عابس متعمدة الإساءة إلى أسيف
دي نكدية وببوز طوله شبرين!
زفرت عواطف في وجهها قائلة بحدة
يا باي يا نيرمين على كلامك ده الملافظ سعد!
قاطعت بسمة حديثهما عن ابنة خالها قائلة بحماس عجيب
سيبك منها يا دلوقتي يا ماما النهاردة حصل عندنا في المدرسة حتت مشكلة بس بنتك طلعت جدعة وحلتها!
انتبهت الاثنتان لها فسردت لهما ما دار في مدرستها من تصرفات ولية الأمر المريبة والجريئة وكيف تمكنت هي من علاج الأزمة بحنكة وحكمة فقد أقنعتها بأنها ستدعم ابنها لكي يحصل على أعلى المراتب والدرجات في كافة المواد وستتأكد من انضمامه لمسابقات المتفوقين وغيرها مما يفيده دراسيا ويجعله محبوبا أكثر لدى جميع المعلمين وسيحصل على امتيازات
تؤهله للإلتحاق لاحقا بالمسابقات الرياضية والثقافية بالمدرسة
كما تعهدت لها بألا تتكرر مسألة الضړب عليه وأنها ستعرف المعلم المسئول عن ذلك وستتولى بنفسها مهمة التأكد من محاسبته من قبل مسئولي إدارة المدرسة
وعلى مضض كبير وافقت السيدة على عدم التمادي في الأمر وانهت المشاجرة موافقة على تلك الاقتراحات
أبدت والدتها إعجابها قائلة بتشجيع
ناصحة يا بنت بطني!
بينما أضافت نيرمين ساخرة
أروبة ياختي!
ردت عليهما بسمة بغطرسة وهي تهز كتفيها في زهو
طبعا هو أنا أي كلام!
تساءلت نيرمين بعدم اقتناع وهي تدس الطعام في فمها
والست صدقت إنك هاتخلي ابنها يبقى رقم واحد في المدرسة
ردت عليها بسمة بثقة
ايوه!
ثم تابعت موضحة بجدية وقد عقدت ما بين حاجبيها
وبعدين الولد يستاهل هو شاطر وكويس بس أمه بيئة طحن! بجد مش شبهها خالص!!!
التوى ثغر نيرمين مرددة بسخرية
يدي الحلق للي بلى ودانه!
هتفت بسمة مضيفة بتباهي
بس انتي عارفة كده بقالي ضهر اتحمى فيه
ردت عليها نيرمين ساخرة
يا شيخة بايعة السمك دي هاتحميكي
أجابتها أختها مؤكدة بجدية
اه تخيلي دي واصلة وقادرة!
صاحت فيهما عواطف بعد أن ضجرت من ثرثرتهما الزائدة
كفايكو رغي وتعالوا ساعدوني في ترويق المطبخ!
ردت عليها بسمة متذمرة
مش أما نخلص أكل الأول!
التفتت نيرمين ناحية والدتها وسألتها بجدية وقد سلطت أنظارها عليها
صحيح يا ماما إنتي مش هاتكلمي المحروسة في موضوع بيع الدكان
تناست عواطف تلك المسألة رغما عنها وانشغل عقلها بما حدث لابنة أخيها ففغرت فمها مرددة
هه! الدكان!
استطردت نيرمين حديثها قائلة بصوت جاد ومحذر في آن واحد
احنا اتلهينا عنه بس مش عاوزين نخسر محبة سي منذر والحاج طه!
تنهدت عواطف بإرهاق وهي ترد عليها
مش وقته بعدين أبقى أكلمها!
ألحت عليها نيرمين هاتفة بنبرة ذات مغزى وهي تغمز لها بعينيها
حطيه بس في بالك خلينا نبيع ونستفيد وهي كمان هاتطلع من البيعة بقرشين حلوين يعني هاتكسب زينا ومش هتخسر!
بينما أضافت بسمة بحماس
اه وممكن نوضب البيت بالفلوس اللي هانخدها!
استدارت نيرمين برأسها نحوها وردت عليها
تصدقي صح عاوزين نركب بلاط جديد وتغير البوهية و
قاطعتهما عواطف قائلة بتجهم
ربنا يسهل بطلوا لت في الموضوع ده خلوه يكمل على خير!
ثم حدقت أمامها بنظرات شاردة لتحدث نفسها بقلق
هو حد عارف ايه اللي ممكن يحصل بكرة !!!!
يتبع التالي
ح٢٧
عاد إلى منزله منهكا بعد يوم عمل أخر شاق ومرهق أوصد الباب خلفه واتجه إلى غرفته ليبدل ثيابه
لكن كعادتها استقبلته والدته بترحابها الودود متسائلة
ايه الأخبار يا بني
أخذ منذر نفسا عميقا وزفره دفعة واحدة وهو يجيبها بصوت متعب
الحمدلله
اقتربت منه وربتت على ظهره وهي مبتسمة له
نظر لها بغرابة متسائلا بجدية
شكلك عاوز يقول حاجة كده صح
سألته بغموض وقد زاد وميض عيناها
فكرت في اللي قوتلك عليه
قطب جبينه متسائلا بعدم فهم
ده اللي هو ايه
عقدت ما بين حاجبيها مندهشة من تناسيه للموضوع وهتفت بنزق وهي عابسة الوجه
تتجوز تاني بنت عواطف انت نسيت يا منذر
تشنجت تعابيره مرددا بعصبية قليلة
يا أماه أنا مش ناقص خانقة
وضعت يدها على طرف ذقنها مستنكرة عبارته الأخيرة وهي تقول
حد يقول على الجواز خانقة!
زفر بصوت مسموع قائلا بامتعاض
مش وقته يا أمي! انتي مش شايفة اللي احنا فيه!
تشكل على ثغرها ابتسامة بلهاء وهي تقول
ما أنا عارفة ومقدرة!
ثم تابعت قائلة بسذاجة
بس عاوزاك تتأكد يا حبيبي إن البت كويسة ومتربية وكمان بتخلف يعني هاتضمن تجيب منها عيال إن شاء الله!
انزعج هو من تلميحاتها الصريحة حول الإنجاب وتصلبت تعابير وجهه بشدة
ثم زفر قائلا بحنق وقد قست نظراته
حاجة جليلة قفلي على الموضوع وخليني أشوف ورايا ايه!
تفهمت عدم رغبته في الحديث ورددت قائلة على مضض
براحتك يا بني!
ثم طرأ بعقلها شيء ما
فتساءلت بفضول
ألا بالحق بنت أخو عواطف عاملة ايه
انتبه لسؤالها باهتمام عجيب وتجمدت نظراته نوعا ما ثم أولها ظهره متحاشيا النظر إليها وفرك ذقنه قائلا بهدوء
يعني من ده على ده
تحركت خلفه قائلة بجدية
أنا عاوزة أروح أعزيهم واسأل عليها!
رد عليها بثبات وهو يسحب ثيابه من خزانة ملابسه
براحتك بس خليها كمان يومين كده تكون البت راقت وفاقت من اللي هي فيه!
أثارت جملته الأخيرة إهتمامها فقد بدت غامضة نسبيا وسألته بفضول وهي تتفرس تعابير وجهه
هو حصلها حاجة
أجابها بغموض أكثر وهو يغلق ضلفة الخزانة
أهي بتاخد وتدي مع نفسها!
لم تفهم المقصد من عبارته تلك ولكنها رددت على أي حال بجملة معتادة
ربنا معاها
ثم انحنت لتجمع ثياب منذر من على فراشه متابعة بعزم
ده الواجب بردك ومايصحش!
اتجه منذر ناحية باب غرفته قائلا بعدم اكتراث
اعملي اللي يريحك ممكن بقى نفضنا من سيرة آل خورشيد!
أومأت برأسها مرددة
حاضر يا منذر!
ثم لحقت به متسائلة باهتمام أمومي
أجيبلك تاكل
رد عليها باقتضاب
لأ!
أضافت قائلة بابتسامة ودود