رواية مريم من 36-40
لم يشعر بإنه يود إخباره
يستقلا الصديقين أول تاكسي عند خروجهما من المطار ... يصلا إلي المشفي خلال وقت قياسي .. تعترض طريقهما الصحافة التي تجمهرت كلها دفعة واحدة أمام البوابة الرئيسية لحظة إنتشار الخبر .. يبعدهم عثمان عن طريقه پعنف و هو يصيح پغضب ثم ينطلق إلي الداخل متجاوزا أفراد الأمن الواقفين كحاجز منيع بوجه عدسات وسائل الإعلام الفضولية
هو مافيش حد يطمنا هنا .. هكذا صاح عثمان بنفاذ صبر ممزوج بالعصبية ليرد مراد بتماسك و هو يربت علي كتفه مهدئا
عثمان بعصبية مفرطة
و لا الصحافة إللي واقفة تحت . الخبر لحق ينتشر بالسرعة دي إزاي !
مراد بصوت عابث
ماتنساش إن المستشفيات الكبيرة إللي زي دي فيها جواسيس مدسوسين هما إللي بينقلوا الأخبار التقيلة.
في هذه اللحظة خرج الطبيب من غرفة العناية بوجه واجم و فم مطبق ... خرج من بعده طاقم التمريض و هم علي نفس الحالة بينما ركض عثمان صوبه صائحا
نظره له الطبيب ثم أطرق برأسه و قال بحزن
أنا آسف جدا يافندم . البقاء لله !
إتسعت عينا عثمان و جحظتا من الصدمة ... ساد الصمت لثوان بدت طويلة جدا كان إستيعابه أبطأ من المعتاد و لكنه عندما تكلم كان أعنف مما يمكن تصوره ..
إللي إنت بتقوله ده يعني البقاء لله إنت عبيط و لا متخلف بقولك أبويا جوا عمل حاډثة بسيطة و جاي عشان تعالجوه مش عشان تقولوا عليه ماټ ! .. كانت الكلمة الأخيرة تكاد تصيبه بالجنون لشدة غرابتها فعقله أصغر من أن يستوعب حجمها كما يجب
تفهم الطبيب حالته و تغاضي عن الإساءة و قال بهدوء
الحاډثة ماكنتش بسيطة يافندم عربية والدك خبطت في لوري و إتقلبت كذا مرة علي الطريق .. ثم تابع بأسف
عثمان پغضب أشد
إسكت . إنت مش دكتور إنت بهيم مابتفهمش حاجة . هاتولي مدير المستشفي دي هاتولي المسؤول عن المخروبة دي أنا هقفلهالكوا بالضبة و المفتاح ههدها علي إللي فيها.
الطبيب و قد نفذ صبره رغما عنه
يافندم لو سمحت وطي صوتك إحنا هنا في مستشفي محترمة و في عيانين إنت كده بتأذيهم . والد حضرتك خلاص بقي في ذمة الله مش هنقدر نرجعه أنا عارف إن الصدمة كبيرة عليك بس كل حاجة و ليها حدود هنا.
كانت الغرفة ساطعة بيضاء ... كان يحيى راقدا علي السرير المعدني بلا حراك .. الغطاء مشدود حتي وجهه و لم يكن ظاهرا منه سوي ذراعاه
إقترب عثمان من والده و أزاح الغطاء بحركة عصبية عن وجه والده ... كان شاحبا بالكامل و قد إمتزج لونه بالزرقة القاتمة بدا مثل شبح .. إستنساخ عن صورة يحيى البحيري و لكنه لم يكن هو .. أين ملامحه الدافئة الصارمة أحيانا و الضاحكة أحيانا
كم مرة تخيله عثمان مېتا بالطبع لقد فكر في ذلك كثيرا و لكنها كانت أفكار عابرة تطرأ علي ذهن كل إنسان ... إنما اليوم في هذه اللحظة عندما تحققت الفكرة علي أرض الواقع شعر و كأنه محپوس داخل قفص معتم ضيق يشعر بالإختناق .. لا يستطيع حراك ... ما من طريقة أو ثغره يخرج عبرها !!!
بدأ جسد عثمان ينتفض و يرتعد بقوة كما لو أن تيارا كهربيا يسري فيه ..
تهاوي أرضا علي ركبتيه و إقترب من والده و قال بصوت ممزق من الدموع التي فاضت من عينيه تلقائيا
بابا ! .. أنا عثمان . إنت سامعني صح أنا عارف إنك سامعني . قوم يا بابا . قوم قولهم إنك كويس . قوم و أنا هاخدك علي البيت علطول . قوم إنت ماينفعش تبقي هنا ماينفعش تبقي كده .. بابآاا . لازم تقووم . ماما هتزعل أوي منك . و صافي كمان . إنت نايم . إنت شكلك نايم بس كفاية كده . كفاية يا بابا . قوم . قوم حرام عليك رد عليا إنت ماينفعش ټموت . لأ . ماينفعش . رد يا بابا عشان خاطري . رررررررررددد !
يدخل مراد في هذا الوقت و يقترب من عثمان ...
يمسك بذراعه محاولا جذبه و هو يقول بتأثر شديد
كفاية يا عثمان . كفاية قوم . في البيت كلهم بيتصلوا بيا . كلهم عرفوا يا عثمان كفآاياك بقي لازم تفوق و تقوم ماينفعش إللي إنت فيه ده.
أبعده عثمان عنه پعنف و هو ېصرخ فيه پغضب
إوووعي سيبني . إبعد عني مالكش دعوة بيآاا . سيبني . إمشي !
يأتي الطبيب عند ذلك و معه إثنان من رجال الأمن يأمرهما بإبعاد عثمان عنه چثة والده فيتوجها نحوه بالفعل و يتعاملا معه بحزم و حرص في آن ..
عثمان بصړاخ حاد
أوعوا . سيبوووني . أبويآاااااااااا . أبويآااااااااااااااا . أبويآاااااااااااااااااااااا !
سبعة أيام بعد الحاډث ... مروا و كأنهم سبعة سنوات تغير كل شئ كل شئ بالمعني الحرفي
ما من كلمات تعبر عن هذا
ألم فريال بالمقام الأول في البداية لم تصدق و نهرتهم جميعا حين بدأ البكاء و النواح بالمنزل لحظة تأكيد الخبر
حبست نفسها بالغرفة و إبتعدت تماما عن أجواء الحداد و لكن مع مرور أول يومان بدأت تصدق ...
لا يحيى لم يعد هنا أو هناك لقد إختفي فجأة كما السراب لم يتصل بها طوال اليومين الماضيين لم يتواصل معها بأي طريقة علي عكس عادته حين يغيب لفترة
حتي هاتفهه عندما حاولت الإتصال به لم تجد ردا و في الأخير أصبح مغلق ..
في اليوم الرابع لم يسمع عنها أحد أي شئ بالبيت كله و لم تستجيب هي للدق علي باب غرفتها ليقرر عثمان أن ېحطم الباب و قد كان
دخل ليجد أمه في أسوأ حالة ممكنة ..
كانت جالسة في الفراش شاحبة صامتة مشعثة الشعر و الهالات الزرقاء تحول لونها إلي الأسود مع مرور كل يوم و ساعة و ثانية يزيد فيها تأكيد ما حدث
أحضر عثمان لها الطبيب و كانت النتيجة أنها أصيبت پصدمة عصبية حادة أفقدتها النطق و التواصل مع من حولها
بالكاد تتناول دوائها و تأكل قليلا جدا من يد عثمان أو صفية فقط ربما الإهتمام بفريال هو ما جعل الجميع يتناسون الحزن قليلا
و لكن الشئ المفروغ منه أن قصر عائلة البحيري بات مظلم كئيب بعد أن كان رمزا للبهجة بمجرد النظر من خلف أسواره الخارجية ...
في ڤيلا رشاد